بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 3 يونيو 2022/
من حيث التوقيت لا يوجد أسوأ من ذاك الذي اختاره الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ليعرقل طلبات انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، عبر ربط موافقته بشروط لا علاقة لها بالحلف أو السياق الراهن للأحداث. وهي خطوة اعتبرها كثيرون بمثابة ابتزاز واضح للبلدين لتغيير سياستهما بشأن المسألة الكردية.
وفي الوقت الذي تبحث فيه العديد من البلدان الأوروبية عن طرق جديدة لتعزيز أمنها بعد التهديد الكبير الذي شكله الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا، فإن تركيا تتصرف على نحو يتسم بالأنانية المفرطة.
ويمكن استشعار الغضب المكتوم لدى بعض الدول الأعضاء في الحلف ولا سيما بريطانيا والولايات المتحدة وربما بولندا وغيرها، من الموقف التركي، خاصة أن طلبات العضوية الجديدة تعتبر ملحة بالنظر إلى المخاطر القائمة.
لكن من الناحية الأخرى فإن النظام الداخلي للناتو ينص على ضرورة الحصول على موافقة جميع الدول لضم أعضاء جدد، وفي الوقت نفسه فإنه لا يتحدث عن أي إجراء يمكن اتخاذه لتفادي أية معارضة من هذه الدولة أو تلك.
والأسوأ أنه لا ينص على إمكانية طرد أية دولة عضو لأي سبب من الأسباب.
وأقصى ما يمكن القيام به ضد هذه الدولة هو عزلها أو تهميشها، على أمل أن تنسحب طواعية. لكن ذلك لن يحدث في حالة تركيا التي تدرك أنها مستفيدة من الحلف أكبر بكثير من فائدة الحلف من وجودها فيه.
فلولا هذه العضوية لما تمكنت من التنمر على جارتها اليونان مثلا أو القيام بمغامراتها في شرق المتوسط أو سوريا أو غيرها من المناطق. فهي تدرك أنها كانت لتدفع ثمنا غاليا في كل واحدة من هذه المغامرات.
هناك من يقول إن تركيا قدمت خدمات كبيرة وجليلة لحلف الناتو ولا سيما خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي السابق، وأنها حمت خاصرته الجنوبية. وهذا صحيح دون شك، لكن تركيا منذ عشرين عاما تقريبا لم تعد ذلك الحليف نفسه الذي يجري الحديث عنه.
فقد أظهرت على نحو متزايد ضعفا في المصداقية وعدم إمكانية الوثوق بها.
وإضافة إلى المماحكات والعقبات التي وضعتها في وجه الولايات المتحدة لاستخدام أراضيها وقت الحروب والعمليات العسكرية في المنطقة، فقد أظهرت أيضا ترددا في التعاون الاستخباراتي مع الأجهزة الأميركية.
كما عززت حكومة إردوغان من علاقتها مع التنظيمات الإرهابية مثل جبهة النصرة وحركة حماس وغيرهما، وخلال السنوات الأولى للأزمة السورية كانت تركيا بمثابة الجسر للمسلحين الذين التحقوا بتنظيم داعش.
واستخدم الرئيس التركي سلاح اللاجئين السوريين ضد دول الاتحاد الأوروبي وعمل على ابتزازهم، وأظهر ميلا واضحا نحو الديكتاتورية وقمع المعارضين في الداخل التركي.
ورغم التحذيرات الأميركية الواضحة والصارمة، مضت الحكومة التركية قدما في شراء صواريخ إس 400 الروسية. وهو الأمر الذي دفع البنتاغون إلى تعليق المساهمة التركية في صناعة المقاتلة إف 35.
وكان واضحا أن حكومة إردوغان تعاملت على الدوام مع الغرب ليس من منطلق الحليف أو الشريك وإنما وفق منطق الانتهازي الذي يستغل الفرص ويساوم ويبتز من أجل الحصول على مكاسب ومنافع آنية وخاصة.
وموقفها من عضوية فنلندا والسويد يندرج في هذا الإطار، ولا يستبعد أنها ربما تتطلع إلى روسيا للحصول على منافع من موقفها هذا.
كل ذلك يلقي علامات استفهام حول جدوى بقاء تركيا في حلف الناتو وما إذا كانت تنتمي إليه بالفعل.
بالطبع هناك من يجادل بأن ثمة فرق بين تركيا كبلد وبين حكومة إردوغان الإخوانية، وأنه لا ينبغي الحكم على تركيا انطلاقا من السياسات الحالية. وهذا الرأي لديه الكثير من الوجاهة، وفي الواقع هو الذي يجعل الكثيرين في الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة يتحملون صلافة الرئيس التركي وتصريحاته المستفزة ومغامراته التي لا تنتهي، وذلك اقتناعا منهم بأن مرحلة إردوغان مهما طالت سوف تنتهي، أما تركيا فتظل بلدا مهما لحلف الناتو وللعلاقات بين الشرق والغرب. لكن هذه الحجة تواجه مع ذلك تحديات متزايدة اليوم، ومع كل خطوة استفزازية تقوم بها حكومة إردوغان وخاصة في المجال الأوروبي، يتناقص صبر الدول الغربية تجاه أنقرة، ويفقد الداعون إلى التريث واعتماد أسلوب الصبر المزيد من حججهم المعنوية وقدرتهم على التبرير والإقناع.