بوتين يخسر حربه في أوكرانيا

بقم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 4 مارس 2022/

مع مواصلة الجيش الروسي الغرق في الرمال الأوكرانية، فإنه يكون قد خسر الحرب فعليا، حتى ولو تمكن من السيطرة على البلاد بأكملها، وهو أمر مستبعد حتى الآن.

فقد تنجح روسيا في إبعاد حلف الناتو عن حدودها مئات وربما آلاف الأميال، لكن بالمقابل فقد أصبحت دولة مارقة ومنبوذة، وتم عزلها عن باقي العالم وأخرجت من النظام المالي الدولي، وطالت العقوبات الغربية لأول مرة في التاريخ مسؤوليها ابتداء من الرئيس وحتى أعضاء الحكومة ونزولا إلى باقي الموظفين.  

في الواقع أن وضع روسيا اليوم هو أسوء من وضع دول مثل كوريا الشمالية أو إيران أو كوبا أو فنزويلا. وهي لن تتمكن من العودة من جديد إلى الوضع الطبيعي قبل مضي زمن طويل وقبل إجراء تغيير كامل في الحكومة الحالية.
الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة كانت بالطبع تتمنى إضعاف النظام الروسي وإيقاع أكبر ضرر به حتى من دون هذه الأزمة، لكنها لم تسع إلى هذه النتيجة ولم تخطط لها ولم تدفع روسيا إلى الدخول في فخها، من فعل ذلك وببراعة شديدة هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه.

المخاوف الروسية من تمدد حلف الناتو ربما وجدت آذانا صاغية في بعض العواصم الأوروبية وربما لدى بعض الأوساط السياسية الأميركية، لكن اجتياح أوكرانيا كان خطا أحمر، وحد معه الجميع وأجبر حتى أولئك الذين يتفهمون القلق الروسي التقليدي على تأييد الإجراءات الأوروبية والأميركية ضد موسكو.
المشكلة بالنسبة للغزو الروسي لأوكرانيا أنه يحمل معه جميع بصمات الحروب والنزاعات البغيضة في أوروبا ولا سيما الحرب العالمية الثانية والتي لا يريد أحد أن يعود إليها.  

وإضافة إلى ضربه عرض الحائط بالقانون الدولي وانتهاك سيادة بلد مستقل وهو أوكرانيا، فإن الغزو الروسي تميز بالآتي:

– دولة كبيرة وقوية عسكريا تسعى إلى سحق دولة صغيرة إلى جوارها وتغيير نظامها ونزع سلاحها بالقوة بسبب ذرائع لم تثبت صحتها.

-الادعاء الروسي يقوم على أساس أن أوكرانيا لم تكن دولة بحدودها الحالية إلا منذ الثورة البلشفية عام 1917 والسنوات التي تلتها حيث أضيفت إليها بعض الأراضي مثل شبه جزيرة القرم. وبالتالي فإن هذا الادعاء يرتكز على محاولة تغيير الحدود بالقوة من خلال العودة إلى التاريخ.

-الأمر الثالث هو الاستخدام الكثيف وعلى أعلى المستويات لآلة الدعاية التي تسعى إلى تشويه الخصم، وفي حالتنا الحديث الروسي المستمر عن وجود نازيين وفاشيين وقوميين وإرهابيين في مواقع السلطة في أوكرانيا بهدف تبرير التصفية الجسدية لهم.  

الواقع أن جميع هذه المواصفات تنطبق بصورة كلية على السلوك الذي مارسه نظام هتلر في أوروبا، ابتداء من استخدام ذريعة السلب غير المشروع لأراض ألمانية بسبب الحرب العالمية الأولى والمعاهدات التي فرضت على ألمانيا واعتبرت ظالمة، إلى الحق في اجتياح الدول وتغيير أنظمتها بالقوة، وبالطبع الدعاية التي صاحبت كل ذلك.

لهذا وجدت الدول الأوروبية نفسها في الأزمة الحالية وجها لوجه ليس أمام استحقاقات الحاضر فحسب وإنما أشباح الماضي أيضا. ولم يكن بوسعها أن تتصرف على نحو مختلف. الخيار العسكري لم يكن ممكنا لاعتبارات كثيرة، مع أن هذه الدول تعهدت أيضا بمساعدة أوكرانيا عسكريا عبر تزويدها بأسلحة دفاعية تساعدها على الصمود في وجه الآلة العسكرية الروسية، لكن الرد الاقتصادي والسياسي كان ساحقا وقد تجلى بالرفض القاطع للغزو الروسي والتصميم الأوروبي على عزل روسيا ومعاقبتها بشدة. وكان لافتا أن أوروبا توحدت في هذه الأزمة على نحو غير مسبوق. 

باختصار فإن روسيا سوف تدفع ثمنا باهظا وربما غير متصور لغزوها أوكرانيا (تدمير الاقتصاد الروسي)، وهي لن تتمكن حتى من حماية النظام الذي سوف تنصبه في البلاد إذا استطاعت تحقيق هذا الهدف، لأنها لن تتمكن من مساعدته اقتصاديا، فهي نفسها سوف تكون بحاجة إلى المساعدة. 

وهناك العديد من المحللين، وكاتب هذه السطور من بينهم، يعتبرون أن روسيا وقعت في فخ صنعته هي بنفسها في أوكرانيا، وهي لن تتمكن من الخروج من مستنقعه سليمة بأية حال من الأحوال. ومن بين السيناريوهات أن نشهد حربا باردة كتلك التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية، لكن الفارق أن روسيا تبدو وحيدة فيها وكذلك معزولة عن باقي دول العالم. ونتيجتها لن تختلف عن تلك التي واجهت الاتحاد السوفييتي السابق، أي سقوط النظام وربما نشهد هذه المرة تفكك الاتحاد الروسي نفسه.  

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *