بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 11 فبراير 2022/
رغم التشابه الكبير والمشتركات الكثيرة بين الكويت ودول الخليج العربية الأخرى، إلا أن الكويت تنفرد بالعديد من الأمور، ويستطيع الزائر أو المقيم أن يلاحظ ذلك بوضوح. وأهم اختلاف باعتقادي هو الطبيعة التشاركية والتوافقية للحكم.
فمنذ بدايات تأسيس الكويت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر بني هذا الحكم على التوافق بين آل صباح وحلفائهم من القبائل وباقي العائلات التي كانت تسكن الكويت حينها أو وفدت إليها فيما بعد لممارسة التجارة أو العمل بمهنة الغوص. ويقال إن آل صباح اكتفوا بممارسة شؤون الحكم والأمن في الإمارة وتركوا مسائل التجارة والأعمال لتلك العائلات، ضمن اتفاق غير مكتوب.
واللافت أن التقليد التوافقي قد استمر حتى يومنا هذا، حيث يمكن رصده واضحا في تعاطي الأسرة الحاكمة مع آراء ومصالح مختلف الفئات والشرائح والجماعات السكانية ومحاولات استرضائها وتجنب الصدام معها.
بالطبع جنّب ذلك الكويت الكثير من القلاقل والصدامات السياسية والاضطرابات المجتمعية عبر السنين، كما لم يتعرض حكم آل صباح يوما للطعن في شرعيته أو أحقيته من قبل الكويتيين.
لكنه في المقابل حوّل الكويت إلى دولة محافظة من الدرجة الأولى وبطيئة التغيير، وفي بلد ينشط فيها العديد من التيارات السياسية والدينية والمجتمعية المتباينة تصبح إدارة هذه الاختلافات عملية بالغة الصعوبة. وهوما يتجلى في التغير المستمر للحكومات وفي الطابع التناحري والصدامي الذي يسيطر على البرلمان (مجلس الأمة).
وقد تمتعت الكويت قبل الغزو العراقي بقدر من الانفتاح، والبحبوحة الثقافية، والفنية، والسياسية. وكان ذلك مدعوما بتنوع سكاني غني جذبته العوائد النفطية الكبيرة والاستقرار السياسي.
لكن الغزو العراقي وما أعقبه خلق تحولات عميقة في المجتمع الكويتي لا يزال يعاني منها حتى اليوم، فقد نقل مركز الثقل في المجتمع من المدن الداخلية (داخل السور) التي كانت قبلها مزدهرة إلى الأطراف أو المدن الخارجية (المجتمعات القبلية).
وقد رافق ذلك أيضا عملية أدلجة ونشر لأنماط من التدين السلفي القبلي في أوساط الغالبية السنية وكذلك التدين الحوزوي على مستوى الأقلية الشيعية التي يدين غالبيتها بالولاء تاريخيا لآل صباح.
وهذا الخليط من التدين والقبلية والمساومات المجتمعية كان بمثابة الكابح الذي أوقف عجلة الانفتاح والتحديث في المجتمع الكويتي وعمل على تآكل العديد من المكتسبات التي تحققت طوال العقود الماضية. وبالمحصلة فقد تراجع المجتمع الكويتي خطوات إلى الوراء مقارنة حتى بالمجتمعات الخليجية الأخرى.
فالكويت هي من الدول القليلة في العالم التي تفتقر كليا إلى بنية سياحية عصرية، ولا تزال الحقوق الأساسية للإنسان في التعبير والاعتقاد والفكر تواجه مشكلات حقيقية.
ورغم مظاهر العمران الحديثة المنتشرة، إلا أنها تخفي خلفها بنية ثقافية واجتماعية ودينية محافظة جدا تدعمها تشريعات وقوانين فصلت بطريقة تضمن استمرار عمل هذه البنية أطول فترة ممكنة.
ويستغل النواب المحافظون والسلفيون (والإخوان) وجودهم في مجلس الأمة لفرض المزيد من القيود والتشديدات الدينية على الحريات العامة.
وفي أحدث خطوة على هذا الصعيد أذعنت وزارة الداخلية الكويتية لطلب من النائب حمدان العازمي وقامت بمنع جلسة يوغا نسائية كان مقررا تنظيمها في الصحراء الكويتية (4 فبراير 2022).
وكان النائب قد كتب في تغريدة على تويتر: “نشدد على وزير الداخلية سرعة التحرك ووقف هذه الممارسات الدخيلة على مجتمعنا المحافظ، ومحاسبة من منح لها التراخيص فورا.. هذا أمر خطير”.
وسبق للنائب العازمي أن أثار سجالا عندما استجوب وزير الدفاع في يناير بشأن قرار السماح للنساء بالانضمام إلى الجيش في الأدوار القتالية لأول مرة.
وبعد ذلك، فرضت وزارة الدفاع قواعد جديدة على النساء الملتحقات بالجيش، بما في ذلك ضرورة ارتداء الحجاب، والحصول على إذن من ولي الأمر للانضمام، وعدم السماح لهنّ بحمل السلاح.
وخلال ديسمبر الماضي أثار وضع مجسم لشجرة الكريسماس في أحد المولات “الأفنيوز” جدلا في البلاد ما حدا بالسلطات إلى إزالة المجسم ” بعد شكاوى عدد من المواطنين بسبب مخالفته الشريعة الإسلامية والعادات الكويتية”.
وسبق ذلك قيام وزارة التجارة الكويتية بإزالة تماثيل من أحد المحلات التجارية في مجمع 360، اعتبرت مخالفة للشريعة الإسلامية.
وقد لا تبدو هذه الإجراءات مهمة في حد ذاتها، وقد لا تغير من قناعات وسلوكيات الكثيرين، لكنها مع ذلك تعطي مؤشرا على الاتجاه العام الذي تسير إليه البلاد.
من الواضح أن التشدد وإغلاق منافذ الحرية على الكويتيين، حتى في أبسط صورها، آخذ في التزايد. وهناك مخاوف في أوساط الكثير من الناشطين من أن التساهل الحكومي والاستجابة السريعة إلى ضغوط الإسلاميين والمحافظين قد تغريهم بالذهاب أبعد وخاصة في القضايا المتعلقة بالمرأة والحريات العامة.
الغريب أن ذلك يأتي في وقت تسعى فيه دول الخليج المجاورة إلى تحقيق المزيد من الانفتاح الاجتماعي وإطلاق الحريات وتحديث تشريعاتها وقوانينها كي تتماشى مع الحداثة وقيم العصر، الأمر الذي يثير علامات استفهام بشأن ما يحدث في الكويت وما إذا كانت وجهتها قد تحددت إلى الخلف در.. بدلا من السير نحو الأمام!