بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 10 سبتمبر 2021/
الإسلاموفوبيا مصطلح مثير للجدل منتشر في الغرب، ويقول البعض إنه يتسم بالمكر والاحتيال، ولا توجد مبالغة في ذلك، لأنه يتحدث عن شيء ويقصد شيئا آخر، وهو يستفيد من الشعور بعقدة الذنب لدى بعض النخب الغربية من الماضي الكولونيالي، كما يستفيد من الجهل وأحيانا رغبة بعض الغربيين في الظهور بمظهر المختلف (وغالبا الناظر بدونية والمتسم بتوقعات منخفضة) إلى ثقافة ودين وحضارة شعوب العالم الثالث.
والمعنى المختصر للإسلاموفوبيا، هو الخوف المرضي أو الرهاب من الإسلام، أو كما تعرفها قواميس اللغة الإنكليزية بأنها “الخوف غير العقلاني، أو النفور، أو التحيز، أو التمييز ضد الإسلام، أو الأشخاص الذين يمارسون الإسلام”.
ويعتبر المصطلح حديث نسبيا، إذ ظهر لأول مرة في السبعينيات من القرن الماضي، لكنه استخدم على نطاق واسع، منذ عام 1997، في الأبحاث والدراسات، حتى أصبح اليوم معترفا به في العديد من الأوساط السياسية والفكرية.
الدافع الأساسي لابتداع المصطلح كان الحاجة للتعبير عن ظاهرة آخذة بالتزايد في بعض المجتمعات الغربية، وهي التحيز ضد المسلمين، لا سيما مع انتشار العمليات الإرهابية وزيادة التوترات في الشرق الأوسط.
وكان من المؤمل أن يعالج الأمر مظاهر التمييز أو التصنيف النمطي الموجهة ضد المسلمين، كما يحدث مع جماعات سكانية أخرى، انطلاقا من أنه ليس جميع المسلمين مسؤولين عن الأعمال الإرهابية والعنيفة التي يقوم بها مسلمون.
لكن المشكلة مع الإسلاموفوبيا بدأت حين التقط ناشطو اليسار والتيارات الليبرالية في بعض المجتمعات الغربية (والتي خانت مبادئها وتحالفت مع ناشطي تيار الإسلام السياسي) المصطلح وحولته إلى سلاح سياسي وفكري لقتل أي نقاش حر بشأن الإسلام، أو التساؤل بشأن الأسباب التي تدفع بعض المسلمين لتبني أفكار وتفسيرات دينية تحض على الكراهية والقتل واضطهاد النساء سواء داخل مجتمعاتهم أو المجتمعات الغربية!
بهذا المعنى تحولت الإسلاموفوبيا إلى فزاعة وتهمة تلصق بالإعلاميين والمثقفين والسياسيين الذين يتجرؤون على طرح الأسئلة الصعبة حول سلوك بعض المسلمين وحول تفسيراتهم للدين، حتى أصبح الكثير من هؤلاء يتجنبون الخوض في هذه المسائل تحاشيا للمتاعب.
بل أكثر من ذلك استخدمت الإسلاموفوبيا لاحتواء ردود الفعل الغاضبة والطبيعية في المجتمعات الغربية على العمليات الإرهابية التي قامت بها الجماعات الإسلامية، مثل القاعدة وداعش وغيرهما على امتداد العقود الماضية، ثم إنكار وتجريم الخوف التلقائي والطبيعي لدى الإنسان الذي يعيش في تلك المجتمعات من التعرض لأعمال مماثلة من جانب الإسلاميين.
مع العلم أن تسمية الأشياء بأسمائها والخوف والهرب والاختباء لدى حدوث الأعمال الإرهابية هي التصرف التلقائي والدفاعي الطبيعي لدى الإنسان. لكن الإسلاموفوبيا تريد أن تجرّد هذا الإنسان من دفاعاته الطبيعية.
إن النقطة الجوهرية هنا هي: لماذا لا يمكن اعتبار الخوف من الإسلاميين، وهم جزء من المسلمين، أمرا مشروعا وفي محله، بالنظر إلى التجربة المريرة التي عاشت ولا تزال تعيشها المجتمعات الغربية مع ظاهرة الإرهاب؟
وكيف يمكن تفسير الجزء الكبير من التراث الديني الكاره للآخر والذي يحض على العنف والقتل والحروب؟
بل كيف يمكن لأي إنسان ألا يصاب بالخوف والفزع وهو يرى الأساليب المتوحشة التي استخدمها تنظيم داعش مثلا في قتل مخالفيه، والتي تشمل قطع الرؤوس والصلب والإعدام عبر الغرق من خلال وضع الضحايا في أقفاص من الحديد ورميهم في الماء، وكذلك من خلال الصعق الكهربائي عبر ربط الضحايا من رقابهم بالإسلاك الكهربائية ثم إدارة مفتاح الكهرباء فيهم. أو تفخيخ الضحايا عبر وضع المتفجرات في ملابسهم وأجسامهم ثم تفجيرها عن بعد.
فهل عندما يخاف الإنسان من داعش أو يكرهها يقال إن لديه إسلاموفوبيا أو إنه مريض برهاب المسلمين أو أن تخوفه هذا غير منطقي أو غير معقول؟
هنا يكمن فشل الإسلاموفوبيا الرئيسي؛ وهو تجاهلها التام للأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات الإسلامية حيث لا تأتي على ذكر ذلك أبدا، رغم أنها السبب الرئيسي فيما يجري، وأيضا تجاهلها التام للمخزون الهائل من التراث الديني الذي يحض ويشجع على تلك الأعمال، والذي لو تمت ترجمته للغات الأخرى ووضعه تحت تصرف عامة الناس في تلك المجتمعات لأسديت لهم خدمة جليلة.
أما فشلها الآخر فهو عدم تعرفها على الفرق أو التفريق بين انتقاد الدين وانتقاد التشدد الديني أو الجانب الأيديولوجي والشمولي في الدين، وأيضا عدم التفريق ما بين الإقصاء والتمييز ضد مجموعة دينية، وبين عداء وكراهية ممارسات وعبادات لدين ما.
والواقع أن ما يميز الإسلام السياسي والإسلاميين عموما عدة مشتركات:
1- يرفض الإسلاميون أية دعوات للإصلاح وهم يعتبرون أن الدين ثابت وصالح لكل زمان ومكان ولا يجب أن يخضع للتغيرات.
2- يرى الإسلاميون بأنهم أفضل من باقي البشر وأن قيمهم الدينية مميزة وغير مشتركة مع باقي الأديان والثقافات الأخرى، وبالتالي يجب عليهم أن يؤثروا ولا يتأثروا.
3- ينظر الإسلاميون إلى الغرب بأنه أحط منزلة، ويوصف بأنه غير أخلاقي وإباحي ومجرد من القيم والمبادئ.
4- يعتبر الإسلاميون بأن الجهاد والعنف هما الوسيلة الأمضى لتحقيق النصر ونشر الدين وإعادة دولة الخلافة والسيطرة على العالم.
5- تتعامل جماعات الإسلام السياسي مع الإسلام ليس بوصفه تعاليم روحانية وإنما أيديولوجيا سياسية يجب أن تدعم بالوسائل العسكرية.
6- يستخدم الإسلاميون الاعتقاد المطلق بتفوق الإسلام لتبرير الممارسات التمييزيّة ضد أتباع الأديان الأخرى واستثنائهم من الحقوقية المجتمعية.
7- يعتبر الإسلاميون بأن إظهار العداوة تجاه الأديان والمعتقدات الأخرى أمرا طبيعيا ومحبذا.
8- يعتبر الإسلاميون كل انتقاد لهم بأنه انتقاد موجه للإسلام، وأن الغرب والأمم الأخرى تتآمر على المسلمين بهدف إضعافهم والسيطرة عليهم.
والحال أنه في الوقت الذي يتعين فيه حماية أتباع أي دين أو عرقية معينة من التمييز والإقصاء بسبب الممارسات التي يقوم بها أشخاص ينتمون لنفس ذلك الدين وبصفتهم تلك، فإنه بالقدر نفسه لا ينبغي وضع القيود على الانتقادات الموجهة لتلك الممارسات أو منع الإشارة إلى منطلقاتها الدينية، أو تجريم الربط بينها وبين ذلك الدين، وهذا للأسف ما تفشل فيه الإسلاموفوبيا على نحو ذريع.