بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 30 يوليو 2021/
سوف يستغرق الأمر بعض الوقت، وغير قليل من الجدل، لمعرفة ما إذا كان الذي قام به الرئيس التونسي قيس سعيّد (يوم الأحد 25 يوليو) انقلابا أم إجراء مؤقتا لإصلاح ما سماه منظومة الفساد والتعطيل، أو ما سماه غيره بثورة تصحيحية لإنقاذ البلاد.
ولأن الرئيس التونسي أعلن التزامه الصريح والواضح بالدستور، ولأنه لم يلجأ إلى الجيش أو يقوم باعتقالات، ولأنه ربط هذه الخطوة بفترة زمنية، مع الحرص على السلمية، ولأنه هو نفسه رئيس منتخب لا يمكن أن ينقلب على نفسه، فقد دفع ذلك العديد من دول العالم إلى التريث وتجنب إطلاق وصف الانقلاب على ما جرى، مكتفية بالإعراب عن القلق، ومتمنية مواصلة الالتزام بالدستور والعودة للطريق الديمقراطي، مع إبداء الحرص أيضا على أمن واستقرار البلاد ومصالح العباد.
وحده حلف الإخوان المسلمين (الذي يضم الحكومتين التركية والقطرية وتنظيمات الإخوان المختلفة والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتضاف لهم توكل كرمان) الذي سارع إلى رفع شعار الانقلاب وإدانة ما جرى ووصفه بشتى الأوصاف والنعوت. بل أن ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أخذته الحماسة وذهب بعيدا في تحريض التوانسة على المواجهة والنزول إلى الشوارع وعدم الاكتفاء بالتفاوض أو عقد المؤتمرات التي قال إنها لن تغني في وقف ما سماه “الانقلاب”، الذي حمل من سماها “قوى الشر العربية والغربية” بالوقوف وراءه!
لقد أراد حلف الإخوان في البداية الاختباء خلف ما روج له إعلامه من وجود “إدانات دولية” لما حدث في تونس ومحاولة تضمين مواقفه ضمن هذا العنوان، كي لا يبدو وحده في الصورة، لكن أسقط في يديه بعد أن تبين أنه لا توجد إدانات دولية ولا هم يحزنون، وأنه وحده من يحرض على المواجهة وسفك دماء التونسيين.
وبطبيعة الحال هؤلاء ليسوا حريصين على الديمقراطية التي لا يؤمنون بها ولا يطبقونها على أنفسهم، لكنهم حريصون على حليفهم، حركة النهضة التي باتت تتعرض إلى ضغوط شديدة في تونس، حتى قبل الإجراءات الأخيرة.
فالتظاهرات ضد الحركة، ومهاجمة مكاتبها في عدد من المدن التونسية، من جانب المواطنين المستائين من الأداء الحكومي، كل ذلك كان يشي بقرب سقوط آخر قلاع الإخوان في المنطقة، بعد سقوطهم في السودان ومصر.
وهذا هو الذي يفسر “الفزعة” غير المسبوقة للإخوان المسلمين وحلفائهم الذين تحركوا ضمن جوقة واحدة ضد الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي.
لكن بصرف النظر عن ردة الفعل هذه أو تلك، فإنه في الواقع لا يمكن فصل خطوة الرئيس سعيّد – التي رأى العديد من المحللين والمراقبين في العالم العربي وخارجه أنها ضرورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه – عن سياقها الطبيعي.
فالعشرية الأخيرة في تونس كانت سيئة جدا بالنسبة للمواطن وللاقتصاد بصورة عامة. وبلغ السوء درجة جعلت التونسيين يتساءلون: “ما الخطأ الذي قمنا به؟ لقد ثرنا ضد الاستبداد ومن أجل الكرامة وتحسين الظروف المعيشية. ولكن بعد عشر سنوات لم نعد نحظ بأي من ذلك”!
فقد تدهور الوضع المعيشي على نحو غير مسبوق، إذ بلغت نسبة البطالة حوالي 17 في المئة. كما زادت نسبة الفقر إلى 45 في المئة.
وفي حين كانت نسبة الدين العام المستحق على تونس عام 2010 تشكل 55% من الناتج المحلي الإجمالي، قفزت هذه النسبة لنحو 90% خلال عام 2021، (كان متوسط الدين في 2010، حوالي 16 مليار دولار، ويتوقع أن يصل إلى 35 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري).
نسبة النمو تراجعت أيضا على مدى السنوات العشر إلى الصفر تقريبا، كما تراجعت نسبة الاستثمار إلى مستوى غير مسبوق في حدود 18%، في حين كانت في حدود 25% عام 2010. وكذلك تراجعت نسبة الادخار إلى 4% في 2020، مقابل 20% في 2010، فيما بلغ العجز المالي 11.5 في المئة من الناتج المحلي في عام 2020.
هذه الأرقام وغيرها، إذا أضفنا لها أيضا تأثيرات جائحة كورونا المدمرة، تعني ببساطة أن صورة الاقتصاد التونسي قاتمة، وأن البلاد تتجه، وإن ببطء، نحو الإفلاس، مع عدم وجود مؤشرات على بذل جهود أو سياسات لعكس هذا الاتجاه أو إبطاءه.
ومن البديهي القول إنه في ظل التخبط الاقتصادي والانقسام السياسي الذي تسبب في شل نشاط مؤسسات الدولة، فإن حالة الرضا العام عن التجربة الديمقراطية كانت هي الأخرى في طريقها إلى التلاشي. والأرجح أن أحدهم، سواء عاجلا أو آجلا، سوف يستغل الوضع الحالي للاستيلاء على السلطة.
من هذا المنظار ينبغي الحكم على الإجراءات التي قام بها الرئيس التونسي، فإن هي نجحت في توفير الشروط اللازمة لوضع البلاد على طريق الإصلاح والتعافي السياسي والاقتصادي، فإنها سوف تكتسب مشروعية مجتمعية، بغض النظر عن التسمية التي سوف تطلق عليها، وإن هي أدت إلى العكس، فستواجه بمعارضة داخلية شديدة وانتقادات وعزلة دولية.