أحاديث منتهية الصلاحية

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 16 يوليو 2021/

ثمة إجماع بين الباحثين المسلمين وكذلك الدارسين للإسلام من غير المسلمين بأن كتب الأحاديث المعروفة لدى السنة ولا سيما البخاري ومسلم وغيرها، إنما جمعت ودونت بعد وفاة رسول الإسلام بأكثر من مئتي سنة على أقل تقدير، وينطبق الأمر نفسه على كتب الأحاديث لدى الشيعة مثل الكافي وتهذيب الأحكام والاستبصار وغيرها، التي دونت أيضا في مرحلة أبعد.

طبعا هذه التواريخ لا تشير إلى المخطوطات الأصلية لهذه الكتب، لأنه لا توجد مخطوطات أصلية، ولكنها تشير فحسب إلى الفترة التي عاش فيها من دونوا وصنفوا هذه الكتب. بمعنى آخر فإن التاريخ الدقيق نفسه لهذ الكتب ليس معروفا. وأيضا ليس معروفا ما إذا كانت النسخ الحالية الموجودة لدينا لكتب الأحاديث هي نفسها التي دونت في ذلك العصر، وإنه لم تدخل عليها إضافات أو تعديلات أو حذف طوال السنوات التي تلت ذلك.

وبالتأكيد فإنه لا يوجد كذلك ما يثبت علميا أن الرسول قد قال هذا الحديث أو ذاك بنفس المنطوق وبنفس المعنى، بما في ذلك المتواتر منها.

ولذلك فإن على المسلم أن يقبل هذه الأحاديث كما هي أو يرفضها كلها أو بعضها، لأنه لا سبيل إلى التحقق من صحتها، من أية مصادر أخرى، غير ما جاء في هذه الكتب نفسها.

كثير من المسلمين اليوم يقبلون بهذه الأحاديث ويعتقدون بصحتها، لكن توجد مدارس أخرى ترفض بعضها وتتحفظ على بعضها الآخر، كما أن هناك من يرفض الأحاديث جميعها ويقرر الاعتماد على القرآن وحده، وهذا هو حال جماعة القرآنيين مثلا.

ما يلفت النظر هنا أن بعض هذه الأحاديث توقف عندها الدارسون طويلا، ليس فقط لغرابتها ومنافاتها للمنطق ومصادمتها الواضحة للعلم، لكن لأنها من غير المعقول أن تكون قد صدرت عن رسول بعثه الله.

أعرض هنا بعض هذه الأحاديث، مثل الحديث الذي يقول:
“قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه (ص) لِأَبِي ذَرّ حِين غَرَبَتْ الشَّمْس ” أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَب؟ ” قُلْت اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم قَالَ (ص) “فَإِنَّهَا تَذْهَب حَتَّى تَسْجُد تَحْت الْعَرْش فَتَسْتَأْذِن فَيُؤْذَن لَهَا وَيُوشِك أَنْ تَسْجُد فَلَا يُقْبَل مِنْهَا وَتَسْتَأْذِن فَلَا يُؤْذَن لَهَا وَيُقَال لَهَا اِرْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْت فَتَطْلُع مِنْ مَغْرِبهَا فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: “وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم “.

ومثل الحديث الذي يقول:
“عن أبي ذَرٍّ، عن رسولِ اللهِ (ص)، قال: “إذا قامَ أحدُكم فصَلَّى فإنَّه يَستُرُه إذا كان بَينَ يَديهِ مِثلُ آخِرَةِ الرَّحلِ، فإذا لم يكُنْ بَينَ يَديهِ مِثلُ آخِرَةِ الرَّحلِ فإنَّه يَقطَعُ صلاتَه: الحمارُ، والمرأةُ، والكلبُ الأسودُ”. قلت: ما بالُ الأسودِ من الكلبِ الأصفرِ، من الكلبِ الأحمرِ؟! فقال: سألتُ رسولَ اللهِ كما سألتَني، فقال: “الكلبُ الأسودُ شَيطانٌ”.

ومثل الحديث الذي يقول:
“حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (ص) قَالَ: “خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ”.
 
ومثل الحديث الذي يقول:
“عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ (ص) قَالَ: فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ وَإِنِّي لَا أُرَاهَا إِلَّا الْفَأرَ إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الْإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَت”.

وكذلك الحديث الذي يقول:
“ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمامُ قومٍ وهم له كارهون” رواه الترمذي من حديث أبى أمامة وحسنه الألباني.

هناك أحاديث كثيرة من هذا النوع، ولا سيما تلك المتعلقة بتفسير الظواهر الطبيعية أو الحديث عن العبيد والإماء أو تلك التي تتحدث عن الخرافات أو تحض على الجهاد والقتال وما شابه، وهي متوفرة لمن أراد الاطلاع عليها.

بعض الدارسين المسلمين اليوم يقر بأنه لا يمكن الأخذ بهذه الأحاديث أو العمل بها، إما لأنها باتت خارج السياق ولا مجال لتطبيقها أو لأنها تصطدم بصورة واضحة بالعقل والمنطق والحس السليم.

وهذا إقرار يسجل لهؤلاء، لكن المشكلة تبقى أن هذه الأحاديث لا تزال موجودة في الكتب المعتمدة ولا تزال تدرس في المدارس الدينية مثل الأزهر وغيره. ولهذا السبب هناك من يعتبرها حجة وواجبة التطبيق لأنه يتعامل معها على أنها أحاديث صحيحة! وقد رأينا كيف أن داعش قد استندت على مثل هذه الأحاديث وعلى غيرها من الموروث الديني في استعباد الإيزيديين وسبي نسائهم وأطفالهم وإنشاء سوق للرقيق وبيعهم فيه! بل أنها أحيت الجزية وفرضتها على المسيحيين في المناطق التي سيطرت عليها. ولو لم يتم القضاء على دويلة داعش لكان مسلحوها قد توسعوا في هذه الأمور بصورة لا يمكن تخيلها.

والسؤال هو لماذا لا يجري حذف أو جمع هذه الأحاديث ووضعها في كتاب خاص لأغراض البحث والتأريخ فقط وليس الاستخدام العملي. ولا بأس من الإشارة إلى أنها منتهية الصلاحية أو لم تعد صالحة للاستخدام الآدمي.  

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *