أخطار تعويم حركة حماس عربيا!

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 25 يونيو 2021/

الزيارة التي قام بها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية برفقة 12 من قيادات الحركة إلى المغرب في (16 يونيو 2021) وذلك بدعوة من حزب العدالة والتنمية الحاكم (أعقبتها زيارة مماثلة لموريتانيا) هي أبرز محاولة لتعويم حماس عربيا.

ورغم أن محللين مغاربة أشاروا إلى أن الزيارة لا تعكس تغيرا في السياسة المغربية، وأنها تمت لاعتبارات داخلية تمس قيادة حزب العدالة والتنمية الإخواني الذي يعاني من انقسامات في صفوفه، خاصة قبيل الانتخابات، وكذلك لرفع الحرج عن أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني بعد توقيعه على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، إلا أن هذا لا يغير من حقيقة أن الزيارة قد رفعت من معنويات الحركة التي كانت حتى وقت قريب تعاني من تدهور واضح في علاقتها مع العديد من العواصم العربية، في مقابل انتعاش كبير في العلاقات مع إيران.

وكانت الضربة الأقسى قد جاءت من السعودية، التي قررت في عام 2019 تصفية وجود حركة حماس على أراضيها، حيث اعتقلت في أبريل من العام ذاته محمد الخضري وعددا من المقربين منه، بتهمة الانتماء إلى منظمة غير مشروعة وجمع أموال بطريقة تخالف القانون. ثم عادت واعتقلت قسما آخر في فبراير 2020، بنفس التهم. وقد بلغ مجموع المعتقلين أكثر من 60 شخصا.

وباستثناء قطر وتركيا وإيران لم تستقبل أي من دول المنطقة مسؤولين في حماس خلال الأعوام الأخيرة. بل أن الحملة العربية التي طالت جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك تصنيفها منظمة إرهابية، قد اتسعت لتشمل حماس باعتبارها أحد فروع جماعة الإخوان. 

لذلك كانت حماس بحاجة إلى اجتراح معجزة تمكنها من كسر الحصار العربي الخانق الذي كان يواجهها.
وقد جاءتها تلك الفرصة المواتية. فالضعف الواضح الذي ظهرت عليه السلطة الفلسطينية في تعاطيها مع اتفاقيات التطبيع التي قامت بها الدول العربية مع إسرائيل، والحساسيات بين القيادة الفلسطينية وبعض هذه الدول الناجمة عن ذلك، قد أغرى حركة حماس بركوب موجة المصالحة الفلسطينية.  

ثم جاء قرار رئيس السلطة الفلسطينية بإلغاء الانتخابات – والتي يعتقد أن حماس كانت ستحقق فيها مكاسب كبيرة – وما نجم عن ذلك من استياء واسع في صفوف الفلسطينيين، الأمر الذي جعلها تغامر بأخذ زمام المبادرة وتفجير الصراع العسكري الأخير مع إسرائيل، تحت عنوان الدفاع عن القدس!
 التصعيد في غزة، والذي تسببت فيه حماس بالدرجة الأولى، لم يكن عفويا، بل كان مخططا له بشكل جيد، على الأقل من ناحية التوقيت.  

ويكشف الظهور الإعلامي المتكرر لقادة حماس العسكريين والسياسيين وكذلك التصريحات المتسارعة بأن هناك ثمارا تتوقع الحركة أن تجنيها من هذا التصعيد سواء على المستوى الفلسطيني أو العربي.  
من تلك الثمار تقديم نفسها على أنها الطرف الأقوى فلسطينيا في المواجهة مع إسرائيل وذلك على حساب السلطة الفلسطينية وحركة فتح وبالتالي على الدول العربية والإسلامية أن تتعامل معها على هذا الأساس.
ومنها أيضا السعي لتكرار نموذج حزب الله في لبنان، بما في ذلك الشهرة والتأييد الذين نالهما عربيا وإسلاميا بسبب نجاحه في إجبار إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان. وتعكس التصريحات الأخيرة لقادة حماس في قطاع غزة والمتحدية بصورة واضحة لإسرائيل، سواء تعلق الأمر بما يجري في القدس أو غيرها، بأنها قد كيّفت نفسها ضمن هذا المسعى.

لكن حماس ليست حزب الله وقطاع غزة ليس جنوب لبنان. والحركة التي تحكم سيطرتها بالقوة على القطاع منذ عام 2007، تواجه تحديا من نوع خاص يتمثل في الوضع الجغرافي الصعب الذي توجد فيه.
وفي الآونة الأخيرة يبدو أن إسرائيل التي سمحت في السابق بإيصال الأموال والمساعدات إلى غزة من دون رقابة ومن دون ضمانات بعدم وصولها إلى أيدي مسلحي حماس، قد تنبهت إلى هذا الخطأ الجسيم، ولذلك سارعت إلى تغيير قواعد اللعبة.
وهذا التغيير بات يعني أن أية أموال تدخل للقطاع سوف تتم عبر الأمم المتحدة، بما في ذلك المنحة القطرية الشهرية وقدرها 30 مليون دولار. كما سيتم التدقيق من جانب المصريين والإسرائيليين على دخول المواد التي يمكن أن تستخدم في بناء الأنفاق وصناعة الصواريخ.

أيضا حقيقة كون حركة حماس مصنفة على قوائم الإرهاب في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك عدد من الدول العربية، يجعلها خارج أية إمكانية للتأهيل، أيا كانت الظروف الناشئة، ما لم تزل حماس نفسها الأسباب التي جعلتها تتسيّد تلك القوائم سواء ما يخص جناحها العسكري أو السياسي، والحقيقة أنه لا فرق بينهما. 

لكن استراتيجية حماس تبدو واضحة هنا. المزيد من التصعيد العسكري مع إسرائيل يعني المزيد من التجييش في الداخل الفلسطيني والمزيد من الأموال العربية والإسلامية والمزيد من تعويم الحركة إقليميا.
على المدى المنظور قد تبدو مثل هذه الاستراتيجية مغرية، لكنها مع الوقت قد تتحول إلى كابوس مزعج. ومخاطرها تبدو واضحة تماما على الفلسطينيين وقضيتهم، فهي ستزيد من حالة الانقسام الداخلي ومن الممكن أن تفجر الوضع الفلسطيني نفسه، كما حدث من قبل في قطاع غزة.  

وبدلا من جذب حماس إلى طريق السلطة الفلسطينية وخط المفاوضات السلمية، فإنها سوف تجذب حركة فتح نفسها إلى خط حماس المتمثل في العسكرة واستخدام العنف وعودة الفلسطينيين من جديد إلى المربع الأول.
 لذلك فإن تعويم جماعة إرهابية مثل حركة حماس من جانب بعض الدول العربية، وإن كان يشكل حسب هذه الدول انحناءة بسيطة أمام عاصفة العواطف الجياشة، فإنه في نهاية المطاف خطوة تفتقد كلية إلى الحكمة والمنطق السليم.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *