خرافة الإعجاز العلمي للقرآن

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 4 يونيو 2021/

حكايات الإعجاز العلمي للقرآن هي من أكثر الأمور توهما ومخاتلة والتي للأسف ينشغل بها الناس، وبسببها يخترعون سجالات، ونقاشات، ومعارك وهمية. وهم يستعيضون بها عن الجد والعمل والعلم الذي ينبغي أن يسود أي مجتمع حديث.

الواقع أن القرآن أو أي من الكتب المقدسة للأديان الأخرى ليس ميدانها العلم أو الاكتشافات العلمية. هي كتب إيمان ديني وكفى. 

لا يوجد دليل من خارجها (أكرر من خارجها) على أنها منزلة من الله، ولا يمكن أن يوجد أي دليل، في أي وقت من الأوقات، أنها من عند الله، لأنه لا أحد يستطيع أن يثبت بالدليل الملموس بأن الله قد قال أو أمر أو أرسل شيئا. 
لماذا؟ لأنه لو فعل ذلك لما أصبح الله. لأنه حينها يكون قد عُرف له زمان ومكان وهيئة وكيفية وما إلى ذلك من الصفات البشرية.

الواقع أنه لا أحد يعرف الله مهما بالغ في الحديث عن ذلك، بمن فيهم أولئك الذين يقولون إنهم يؤمنون به. كل ما يعرفونه عن الله هو مجرد آراء وأقوال وانطباعات قرأوها أو سمعوها عن غيرهم، الذين بدورهم سمعوها عن غيرهم وهكذا.

من يتحدث عن الإعجاز العلمي إنما يكشف عن جهل مطبق بكيفية نشأة العلوم وتطورها.

باختصار فإن معرفة الله مستحيلة ومتعذرة على البشر لأن ذلك خارج نطاق إمكانياتهم وقدراتهم البشرية. وكل ما يملكونه هو شعورهم القلبي والإيماني. وهذا شيء يستطيعون الاعتقاد به، لكن لا يمكنهم إثباته.

مع ذلك في رأيي أنه، حتى لو سلمنا جدلا بأن الكتب المقدسة هي من عند الله، بصورة من الصور، ما دام أنه يوجد من يؤمن بذلك، وأنه من الممكن القبول بهذا على سبيل الافتراض على الأقل، تبقى مسألة الإعجاز العلمي مسألة تختلف تماما عن هذا الإيمان.

لأنه، أولا، من يتحدث عن الإعجاز العلمي إنما يكشف عن جهل مطبق بكيفية نشأة العلوم وتطورها. أي علم نعرفه اليوم لم يأت إلينا جاهزا. هو صيرورة تطورية ساهمت فيها أجيال كثيرة من العلماء والباحثين وفرضيات خضعت لاختبارات نظرية وعملية، بعضها صمد في التجربة وبعضها انهار.

ثانيا، فكرة أن كلمة هنا أو جملة هناك في هذا الكتاب المقدس أو ذاك تشير إلى نظرية علمية أو اكتشاف علمي هي مجرد سخافة وتنطع، لا ينبغي أن يقع فيه أي إنسان، وبالذات الإنسان المعاصر.

الواقع أن الكتب الدينية ليس ميدانها الفيزياء، أو الكيمياء، أو الرياضيات، أو القوانين الطبيعية، لأننا لا نحتاج إلى هذا الكتاب أو ذاك في هذا الأمر، الذين اخترعوا لقاح كورونا لم يرجعوا إلى الكتب المقدسة أو يتخرجوا من كليات الشريعة، والذين صمموا الطرازات الحديثة من سيارة تسلا أو الكبسولات التي ترسل للفضاء لم يستشهدوا بأي من الآيات من هنا أو هناك.

وحتى في مجال القوانين والتشريعات، نحن لا نحتاج اليوم إلى أي كتاب ديني لكي يخبرنا أو يرشدنا إلى كيفية وضع هذه القوانين. 

التجربة البشرية وحدها كفيلة بأن ترشدنا إلى كيفية عمل ذلك، سواء القانون المدني أو التجاري أو القوانين المنظمة للاستثمار، والبورصة، والأوراق المالية، وغيرها.  

هدف الكتاب المقدس الأساسي هو معالجة الجانب الروحاني لدى الإنسان وعلاقته بالغيبي أو الميتافيزيقي أو الله، ومن ثم علاقته بغيره من البشر.

هذا الجانب هو الذي ينبغي أن تخدمه هذه الكتب. إذا فشلت في تقوية الجانب الروحاني، كما هو الحال اليوم مع قطاع كبير من المسلمين، فهي تكون قد فشلت في مهمتها، وأصبحت مجرد ملهاة يسعى كل من أراد أن يحولها إلى مصدر للعيش أو السيطرة على الجموع الغافلة والمبرمجة.

والذين يقولون إن الكتب الدينية تحوي كل شيء وأي شيء، يقعون في وهم كبير وخطير ويتعين على الدعاة الذين يقولون ذلك أن يتواضعوا قليلا ويعيدوا تفسيرها، وينبغي على السلطات أن تضع حدا لهذا الأمر. لأنه في نهاية المطاف فإن الإساءة إلى أي دين لا تأتي من الآخرين وإنما من أتباع الدين نفسه.

المطلوب أن يقال بصريح العبارة أن القرآن الكريم أو أي كتاب مقدس آخر، هو كتاب هداية روحانية لمن يؤمن به، ولا يجب أن نقحمه في البهلوانيات المسماة بالإعجاز العلمي، والتي تضع الدين وتضع الإنسان الذي يؤمن بهذا الدين موضع سخرية وتندر. 

وقد كثرت هذه في السنوات الأخيرة الى الدرجة التي جعلت فيه آينشتاين ونيوتن وتيسلا وأديسون وفاراداي وغيرهم يتقلبون في قبورهم!   

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *