إلهام زيدان – صحيفة الوطن المصرية – 16 مايو 2021/
قال المفكر والأديب الدكتور يوسف زيدان، إنه ينبغى على مصر تبني دعوته الهادفة إلى حل القضية الفلسطينية، والمتمثلة في الحفاظ على مدينة القدس لتكون عاصمة لجميع الأديان، على أن يتولى إدارتها أطراف النزاع أو الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن الهدف من دعوته هو الحفاظ على المدينة التى تعد نموذجًا لتعاقب الثقافات والحضارات الإنسانية، وكذلك إنقاذ أرواح المتنازعين من الطرفين.
وأضاف «زيدان» فى حواره لـ«الوطن»، أن القضية الفلسطينة لم ولن تُحل بالعنف والكراهية المتبادلة بين الطرفين، ولكن بدعاوى العقل، مؤكدًا أن دعوته لا تمانع في تخصيص جزء صغير من باحة المسجد الأقصى لبناء المعبد اليهودي، باعتبار أن اليهودية ديانة يعترف الإسلام بها.
وشدد على أنه ضد الممارسات الاستيطانية للقوات الإسرائيلية على الأرض، لأنها تؤجج الصراعات بين الطرفين.. وإلى نص الحوار.
* قلت إنه من المفترض أن تكون القدس عاصمة لكل الأديان، فهل هذه دعوة لتقسيم المدينة؟
– على العكس، أنا أدعو أن تظل القدس وحدة واحدة لجميع الأديان التي كانت بالمنطقة، وليس فقط للديانات الإبراهيمية ولكن أيضًا للديانات الوثنية الرومانية، وأنا ضد تقسم المدينة في الأصل، ودعوتي هى للحفاظ على المدينة وليس لضياعها، فالقدس شئنا أم أبينا هي مدينة لكل الديانات التى كانت بالمنطقة وليس فقط الديانات الإبراهيمية، وبالتالي فالمطالبة بالحقوق التاريخية لجماعة معينة هي مطالبة لا معنى لها، لأن اليهود يرفعون شعار أنها عاصمة إسرائيل، والفلسطينيون يرفعون في المقابل شعار القدس عاصمة فلسطين، ثم جاء الحال بتقسيم المدينة إلى القدس الشرقية والقدس الغربية، وبالتالي بدأت المشكلات لأن الجزء الغربي بالمدينة غير الجزء الشرقي المقدس، وهذا التقديس في الواقع والتشويش عليه يؤدي إلى تفاقم المشكلات كل حين، والرأى عندي أن تحتفظ المدينة بطابعها الموروث من الأزمنة القديمة، وأن تكون مستقلة عن إدارة أى طرف من أطراف الصراع.
* ومن المنوط به إدارة مدينة القدس؟
– تدار إدارة دولية.
*تم رفض الإدارة الدولية للمدينة إبان الحماية البريطانية.. فمن يقبل بها الآن؟
– تم رفضه من قبل لأن كلا الطرفين كانا يحتاجان إلى الدخول فى الحرب والاستحواذ على المدينة بالكامل، وأتصور أن هذا الدم الذي سال طيلة العقود الماضية كافيًا لإعادة النظر في الأمر.
*هل نعتبر أن المشروع الذي تطرحه هو نفسه مشروع التقسيم الذي طرحه الاحتلال الإنجليزي من قبل؟
– أنا لا أقيس رؤيتي على هذا المقترح البريطاني، ولكنى أتحدث انطلاقًا من الواقع الذي وصلت إليه الصراعات في المنطقة.
* ألا ترى أن الفسطينيين لا يسعون إلى إقصاء الآخر، بينما يسعى الصهاينة إلى إقصاء الجميع عدا اليهود؟
– هذه دعايات جوفاء، والقدس حتى في خلال التاريخ الإسلامي ظلت في أيدي الصليبيين فترة طويلة، وبالتالي فتاريخها الإسلامي ليس إسلاميًا خالصًا.
*ألم تكن القدس محتلة من الصليبيين؟
– كانت محتلة من وجهة نظر المسلمين، أما من وجهة نظر المسيحيين فهي محتلة من قبل المسلمين، من بعد العهدة العمرية، ثم إن العهدة العمرية – وهذا من المدهشات – لم تستعمل أبدًا كلمة القدس ولا بيت المقدس، وإنما لأربع أو خمس مرات يذكر اسم المدينة في هذه العهدة باسمها المسيحي الذي كان معروفا آنذاك باسم «إيليا»، وبالتالي فالمسيحية لا تعرف القدس ولا تعرف أورشليم، ولكن المسيحية تعرف مدينة «إيليا» التى اربطت بالموروث المسيحي مثلما ارتبطت بالموروث الوثني الروماني، والموروث العبراني القديم، ثم بالمسلمين بعد ذلك، فكل طرف يرى أنها محتلة من قبل الطرف الآخر.
وعندما قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إن القدس عاصمة إسرائيل، كتبت بوضوح أن هذه بلطجة دولية ورعونة ستؤدي إلى عنف، وهاجمت تصريحاته في وقته.
لا أنادى بتقسيم القدس ولكن يجب أن تكون المدينة جامعة لكل الديانات
*ما الحلول برأيك؟
– الآن أقول ما قلته قبل سنوات، وأرجو أن يُسمع هذه المرة، اتركوا المدينة في وحدتها، ولتكن جامعة للديانات والثقافات، وتكون إدارتها من قبل أطراف دولية، أو من قبل الأمم المتحدة، ولا مانع من أن تكون لها بلدية يعمل بها عرب ويهود ومسلمون، على أن يكون اهتمامهم منصب على الحفاظ على المدينة باعتبارها نموذجا لتعقب الثقافات والحضارات والجماعات الإنسانية، وهذا هو تشريف المدينة الذي أفهمه وأدعو إليه، أما «الزعيق» و«النعيق» في الشوارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي فكل ذلك مجرد «جعجعة» لن تؤدي إلى شيء.
*بغض النظر عن الديانات.. أليست القدس مدينة فلسطينة؟
– يعنيني الواقع الحالي بمشكلاته، وأنظر إلى التراث لأفهم أبعاد هذه المشكلة، لكن لا أعيش في مقولات هذا التراث، وإلا فسيقول كل فريق أنه صاحب المدينة، القدس لم تكن موجودة بهذا الاسم، ثم بعد تقسيم المنطقة على يد الاستعمار البريطاني، كانت حينًا بيد العرب ثم صارت بيد اليهود.
*لكن الوجود اليهودي بمثابة احتلال للمدينة.. أليس كذلك؟
– اليهود أيضًا يقولون، إن الوجود العربي والإسلامي احتلال للمدينة العبرانية.
*وما رأيك في هذه المقولات؟
– أرى أنه من الضروري أن نترك هذه الحجج الفارغة وننظر إلى الواقع لنجعله أفضل، فكلا الطرفان يصطدم بالآخر، ويحدث جلجلة كبيرة ولكنه لا يقنع الآخر.
*لكن الأمم المتحدة فصلت في هذا الأمر.. وأصدرت القرار 424، واعترفت أن القدس أرض محتلة.. فما رأيك؟
– وليكن، فهذا القرار لم يتم تطبيقه، وعلينا أن نبحث عن حلول أخرى غير القرارات والإدانات الشفاهية وعبارات الشجب وننقذ هؤلاء الذين يموتون كل يوم موتًا مجانيًا، ونحفظ المدينة من أي دمار محتمل ونحفظ البلاد والعباد من حظوظ الحرب.
إسرائيل قد توافق على تدويل القدس.. بينهم عقلاء
*وهل تعتقد أن إسرائيل ستوافق على مثل هذا المقترح؟
– علينا أن نحاول، وأظن أن من بينهم عقلاء.
*لكن على أرض الواقع اسرائيل تعتدي على الشعب الفسطيني.. وتمنع المسلمين من الصلاة؟
– التشدق بمثل هذه الوقائع الفرعية يشتت أنظارنا عن المشكلة الأساسية وهي ضروة حسم الخلاف الفكري والعقائدي والفكري والثقافي، وهي وقائع فرعية، فمثلًا في يوم عيد الفطر، وفي باحة المسجد الأقصى وقبة الصخرة كان هناك ما يقرب من مائة ألف مصل، ولم يتعرض لهم أحد، ومن الأجدى أن نفكر بعقولنا وليس بأوهامنا الموروثة.
أنظر إلى الأمر من الجهة المقابلة لهذه الصراعات والرغبة فى أن يسود السلام، وأن نحافظ على المدينة التاريخية ونحفظ أرواح الناس من الطرفين، وهو دور مصر، وعلى مصر أن تتبنى هذا المشروع المتمثل حول تدويل القدس لتدار المدينة المقدسة إدارة دولية كما قلت إما من خلال الأمم المتحدة أو من خلال الأطراف النزاع.
*ألا يسعى اليهود لهدم المسجد الأقصى للبحث عن هيكل سليمان؟
– هذا وهم مستقر بيننا هنا في البلاد العربية، هم يبحثون على الهيكل مثلما نبحث نحن عن الآثار الفرعونية لا أكثر، إنما المعبد اليهودي المندثر والمسمى بهيكل سليمان لم تكن مساحته تزيد على 200 متر مربع، أما قبة الصخرة والمسجد الأقصى والباحة المحيطة بهما (حرم المسجد) أكثر من 30 ألف متر مربع، وقريب من المسجد الأقصى كنيسة القيامة المرتبطة بالوجدان المسيحي، فماذا يحدث لو أعطى المسلمون لليهود 200 متر مربع من باحة المسجد الأقصى لبناء معبد يهودي يسمى هيكل سليمان أو أى اسم؟!.. فاليهودية ديانة يعترف الإسلام بها، وبذلك ينتهي جزء من الإشكال.
ولأنى أتحدث عن حل فلابد أن أفكك الإشكال إلى جزيئاته، وأعالج هذه الجزيئات واحدة تلو الأخرى إنقاذا للبلاد والعباد، وحفاظًا على هذه المدينة، وحفظًا لأرواح الناس التى تموت من الطرفين «دفاعاً عن القائدين اللذين يقولان: هيا، وينتظران الغنائم فيهيا في خيمتين حريريتين من الجهتين» كما قال الشاعر الفلسطينى محمود درويش في قصيدته.
*لكن هناك مساعٍ متكررة لتهويد القدس.. ما تعليقك؟
– أنا ضد مثل هذه الممارسات الإسرائيلية المتمثلة في التوسع في بناء المستوطنات، لأنها لا تؤدي إلى خير، وستقود إلى تأجيج الصراع في المنطقة.
والوقوف على هذه الحالة العنيفة وحالة الكراهية المتبادلة بين الطرفين هو ضد الإنسانية، فالموت والخراب والعنف المتبادل هى نقيض الإنسانية والحضارة والترقي، وعلينا أن نختار بين هذا الطريق أو ذاك، وعلى الأقل نحن جربنا العنف فدعونا مرة نجرب العقل.
*عندما تعلن هذه الدعوات يتم توجيه تهمة التطبيع لك.. فكيف ترى الأمر؟
– هى تهم فارغة ولا معنى لها، ولا أقف عندها لأنها كلام أجوف.
*قلت إن مدينة السلام كانت مدينة دماء.. فهل تقصد أن العرب والمسلمين لم يهتموا بالمدينة المقدسة؟
– الذي أقام بنيان المدينة وأضفى عليها طابع القداسة هم المسيحيون ابتداء من 328 ميلادية عندما أمرت «هيلانة» أم الامبراطور قسطنطين بالتفتيش عن صليب الصلبوت، وهو قطعة الخشب التي يعتقد أن السيد المسيح صُلب عليها، وفقًا للمفهوم المسيحي، فلما وجدوا قطعة الخشب أقاموا كنيسة القيامة وصارت القدس محطًا للحج المسيحي طيلة القرون الماضية، فلما جا ءالمسلمون تعهدوا للمسيحيين وفقًا للعهدة العمرية، ومن ثم لم تكن المدينة محظورة على المسيحين ولكن كانت محجورة على اليهود، وقد حظر المسلمون اليهود من دخول المدينة المنورة من قبل.
وعندما جاء الأمويون وقام الخليفة عبدالملك بن مروان ببناء قبة الصخرة لتحويل القداسة من منطقة الحجاز إلى مكان آخر، قريب من دمشق (العاصمة الأموية) تم بناء المسجد الأقصى، ولم تكن المنطقة محل أحداث كبرى بعد الوجود الصليبي، بل كانت المنطقة جزءً من مصر في زمن الدولة الفاطمية، ثم الدولة الأيوبية، ثم الدولة العثمانية بعد ذلك.
*فيسبوك أوقف حسابك.. لماذا؟
– تم وقف الصفحة لمدة شهر ومنع «اللايفات» وكذلك المنشورات المكتوبة، وألا يعاد نشر البوست الأخير مكتوبًا، وأعدت نشره كصورة، وغالبًا سبب الوقف بسبب التقارير الإلكترونية، من خلال اللجان الإلكترنية الموجهة التي تقوم بالصخب والتهليل على صفحات «فيسبوك»، بما يوهم بأشياء غير حقيقية حول الصفحات التى تقول رأي مخالف، وهذا تفسيري.