بقلم / عمران سلمان
قناة الحرة – 7 مايو 2021/
الآن وقد دخل مصير الانتخابات الفلسطينية في غياهب المجهول، بعد أن تم ربط إجرائها بشرط رآه البعض تعجيزيا وهو الحصول على موافقة إسرائيلية رسمية على مشاركة فلسطينيي القدس الشرقية، حق للكثيرين بأن يعتبروا أن هذه الانتخابات كانت فرصة (وقد ضاعت) لضخ دماء جديدة وإعطاء ديناميكية وحيوية للمؤسسات الفلسطينية، وربما ساعدت أيضا في التقريب بين مختلف الفرقاء.
لكن آخرين سوف يتساءلون أيضا وما الجديد الذي سوف تجلبه هذه الانتخابات في ظل وجود الفصائل المسلحة، ونفس الزعامات، ونفس البرامج، والعقليات؟ بل هناك من يذهب أبعد محذرا من أن فوز حماس والإسلام السياسي مثلا في الانتخابات قد يكرر من جديد التجربة القاسية التي أعقبت الانتخابات السابقة أو شيئا مشابها لها. وهناك أيضا من لا يؤمن بالانتخابات جملة وتفصيلا أو يعتبرها غير مفيدة في ظل سيطرة إسرائيل على المشهد العام.
تتعدد الآراء وتتباين المواقف، لكن برأيي أنه أيا تكن النتائج التي كان يمكن أن تأتي بها هذه الانتخابات، من الواضح أن إجراءها يظل أفضل من عدمه. ولو لم تكن هناك من فائدة سوى أن تجعل الفلسطينيين يقتربون قليلا من الدولة ويبتعدون كثيرا عن القضية، لكان هذا كافيا في حد ذاته.
فالانتخابات لا تمنح فقط الشرعية للأشخاص، ولكنها أيضا تخلق المؤسسات وترسخ العقلية والقيم المؤسساتية. وفي حال الالتزام بجانب الشفافية والنزاهة فيها فإنها تعطي معنى حقيقيا للتغيير والتجديد، الذي يمنح بدوره الفرصة للأفكار والسياسات كي تتبلور وتنضج وتأخذ مجالها على أرض الواقع. والفلسطينيون مثل غيرهم، وربما أكثر من غيرهم، بحاجة إلى كل ذلك.
والحال أن تأجيل هذه الانتخابات لم يحرم الفلسطينيين فقط من هذه الفرصة، ولكنه أيضا كشف عن صورة نمطية لما يحدث في معظم الدول والمجتمعات العربية. وهي صورة يعرفها الجميع، لعل أبرز ما فيها هو الاستبداد والتمسك بالسلطة.
ورغم أن الفلسطينيين هم الأقرب جغرافيا واتصالا مع الإسرائيليين، من الدول العربية، إلا أنهم فضلوا أن يتشبهوا بهذه الأخيرة، ولا يأخذوا شيئا من الديمقراطية الإسرائيلية أو طريقتهم في بناء المؤسسات وإدارتها والتشجيع على قيام معارضة جادة ومسؤولة.
الإسرائيليون لم يتمكنوا من إقامة دولتهم، إلا عندما أنشأوا مؤسساتهم أولا، وأداروها بشكل ديمقراطي وتعددي، ووضعوا لها القوانين وطبقوها بصرامة، واعتمدوا ثقافة تقوم على القيم الليبرالية الحديثة.
تجربة الفلسطينيين مع إسرائيل قاسية كما هو معروف، لكنها أيضا يمكن أن تشكل فرصة للاستفادة والتعلم منها في كيفية بناء الدولة.
لكن يبدو أن إدمان النخبة الفلسطينية على “القضية” أقوى بكثير من الرغبة في إقامة الدولة. لذلك لم تعدم الحجج لتأجيل الانتخابات في حال كانت نتائجها غير مضمونة أو حتى إفراغها من محتواها في حال تقرر إجراؤها. وفي هذا لا تختلف حركة حماس عن حركة فتح إلا في الدرجة فقط وليس في النوع.
طبعا الانتخابات وحدها لن تجلب للفلسطينيين الدولة، لكن من دونها سوف يصعب أيضا خلق رأي عام حقيقي وملموس قادر على تدعيم موقف أية قيادة فلسطينية وهي تتفاوض مع إسرائيل أو تصارع من أجل الحفاظ على المصالح الوطنية.
كذلك تفضل الجهات الخارجية سواء الأوروبيين أو الأميركيين التعامل مع قيادة فلسطينية أفرزتها صناديق الاقتراع لأن ذلك يعطيها مصداقية أكبر في التحدث باسم الفلسطينيين ومعرفة ما يريدونه. وهذا هو سبب الانزعاج الذي شهدناه من هذه الدول على خطوة التأجيل.
وقد كان ملفتا، بحسب التقارير الفلسطينية، حجم الرغبة والحماس لهذه الانتخابات ولا سيما في صفوف الشباب الفلسطيني الذين لم يعرف الكثير منهم غيرها في حياتهم، حيث أن آخر انتخابات جرت في عام 2006، وهم يعتبرون أن لديهم الحق في اختيار قيادتهم والمشاركة في عملية صنع القرار.
بقرارها تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى تكون القيادة الفلسطينية إذن قد قضت بتجميد المشهد الفلسطيني الحالي هو الآخر إلى أجل غير مسمى، وهو ما يعني الإبقاء على الوضع القائم، الذي لا يسير لصالح الفلسطينيين. لكن هذه الخطوة لا تقف عند هذا الحد، إذ هي تترك جملة من الأسئلة المهمة من دون إجابات، خصوصا تلك التي تتعلق بخلافة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتنظيم أجهزة السلطة وكذلك الإبقاء على الانقسام الفلسطيني الداخلي.
وفي حال بقيت هذه القضايا معلقة ومن دون حل ديمقراطي فإنها تنذر بعواقب غير محمودة، من شأنها أن تزيد الوضع الفلسطيني السيئ سوءا.