عمران سلمان – الحرة – 30 أبريل 2021/
قيام التونسي جمال غورشيني بقتل الشرطية ستيفاني في بلدة رامبوييه في فرنسا بالسكين وهو يهتف “الله أكبر”، لم يكن حادثا منفردا أو خارج السياق العام، وهو لن يكون الحادث الأخير في الهجمات الإسلامية التي تستهدف الفرنسيين أو المصالح الفرنسية.
الواقع أن فرنسا تتعرض منذ فترة لحملة منظمة من جماعات الإسلام السياسي تهدف إلى شيطنتها والتحريض ضدها، وفي هذه الحملة لا يوفر هؤلاء وسيلة أو أسلوب، من الإعلام إلى المحاضرات إلى الفتوى الدينية إلى المقاطعة.
فإضافة إلى ما شهدناه في باكستان مؤخرا من تظاهرات مناهضة لفرنسا وحملة لطرد السفير الفرنسي، تنشر بالتوازي معها أخبار وتقارير متنوعة في قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام التابعة لجماعات الإسلام السياسي، الهدف منها هو تصوير فرنسا على أنها “الشيطان الأكبر” الذي يكن العداء للإسلام والمسلمين والذي يتآمر لحرف المسلمين عن عقيدتهم والتدخل في حرياتهم والسيطرة على فضائهم الخاص. بل هناك من راح يستخدم التاريخ الاستعماري لفرنسا في الجزائر وغيرها، لضخ شحنات من التعصب والكراهية ضد فرنسا اليوم والتي لا علاقة لها بذلك التاريخ.
ما هو الهدف؟
الهدف هو إجبار فرنسا على التراجع عن الإجراءات التي اتخذتها ضد جماعات الإسلام السياسي، سواء تعلق الأمر بقانون الانفصالية الإسلامية أو قانون الحجاب أو تنظيم الأئمة.
هناك شعور في أوساط جماعات الإسلام السياسي بأن فرنسا ذهبت بعيدا في مواجهتها لهذا التيار وبصورة تسعى فيه على ما يبدو إلى وضع حد لوجوده ونشاطه ليس فحسب في فرنسا وإنما في القارة الأوروبية كلها.
لذلك فإن التحدي لا يشمل فرنسا وحدها، فإذا نجحت هذه الأخيرة في إجراءاتها ضد الإسلام السياسي فليس هناك ما يمنع من استنساخ هذا النموذج أو استلهامه في القارة الأوروبية، سواء في ألمانيا، أو الدانمارك، أو هولندا، أو بلجيكا، أو غيرها.
هذا هو التحدي الأكبر الذي تدرك جماعات الإسلام السياسي أنها تواجهه. لذلك فهي تشن حملتها المكثفة ضد الحكومة الفرنسية بغية الضغط عليها للتراجع عن هذه الإجراءات والرضوخ لمطالب تلك الجماعات.
ويبدو أن السلطات الفرنسية واعية تماما لهذا الأمر، لذلك كان رد الفعل الأولي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مقتل الشرطية أنه قال “في المعركة ضد الإرهاب الإسلامي، لن نتنازل عن شيء”.
وماكرون يدرك، كما يدرك أعضاء حكومته، بأن المعركة مع هذه الجماعات وفكرها، هي معركة كان يتعين خوضها منذ سنوات طويلة، ولم يفعل التأجيل والتراخي سوى مفاقمة الوضع واتساع نفوذ الإسلام السياسي وزيادة تغلغله في أوساط المسلمين الفرنسيين.
لذلك من المتوقع أن نشهد في القادم من الأيام المزيد من الإجراءات الهادفة إلى مواجهة هذه الجماعات، فكريا وقانونيا وأمنيا، وصولا إلى حظرها في نهاية المطاف.
ولست أشك في أن الكثير من العرب والمسلمين في أوروبا نفسها وفي المنطقة عموما يشعرون هم أيضا بالارتياح لما تقوم به الحكومة الفرنسية من إجراءات ضد جماعات الإسلام السياسي، لأن هذه الجماعات خربت مجتمعاتهم وبلدانهم وشوهت الإنسان فيها.
وطوال سنوات كان هناك تساؤل يحير الكثيرين وهو كيف يمكن للمجتمعات الأوروبية أن تتسامح مع وجود جماعات لا تزال تتبنى وتنادي بأفكار ظلامية، وتقسم البشر على أساس الدين والمجتمعات إلى دار كفر ودار إيمان. الخ، جماعات لا تعترف بالإنسان المواطن وحقوقه وحريته في اختيار نمط عيشه واختيار دينه أو الخروج منه، ولا تقيم وزنا للقوانين والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
بالطبع هناك من حاول ويحاول تصوير ما يجري في فرنسا أو غيرها على أنه نقاش ديني، وهذا مجرد تضليل وتدليس. فالنقاش ليس في الدين وليس حول فائدة وجوده من عدمه، ولكن النقاش هو حول الخطورة التي يمثلها تحويل الإسلام، أو أي دين آخر، من إيمان فردي خاص بالإنسان وما يعتقده، إلى عقيدة أيديولوجية مطلقة تحض أتباعها على العنف ونشر الكراهية، والسيطرة على المجتمعات، وقمع الحريات، وإرهاب المخالفين، باسم الدين وباسم الخالق، وهذا ما تسعى إليه بوضوح جماعات الإسلام السياسي على اختلاف أنواعها.
لذلك فالنقاش هو ليس حول الإسلام نفسه وكيف ينبغي أن يمارس المسلمون إيمانهم، فهم يفعلون ذلك بكل حرية، في بيوتهم وفي مساجدهم (في فرنسا يوجد حوالي 2500 مسجد ومصلى)، لكنه حول أمن الإنسان وحريته وحقوقه.
ولذلك من المفروض أن تقف الدول الأوروبية وغيرها من الدول المتحضرة مع فرنسا في مواجهة جماعات الإسلام السياسي، ورفض الحملة التي تشن لشيطنتها.