حين تصبح الدعوة إلى جلد النساء حرية تعبير!

عمران سلمان – الحرة – 2 أبريل 2021/

“منظمة مدفوعة الأجر، وأجندتها مكشوفة منذ وقت بعيد!  نحمد الله أن كل ما في استطاعتكم “تقارير” لا تغني ولا تسمن من جوع! ولا تعنينا في شيء ولن تغير فينا شيء! نحن أقوى من تقاريركم التي لن تزعزع ثوابت ديننا ومجتمعنا بإذن الله!”

هكذا ردت مريم آل ثاني بغضب في تغريدة على تويتر على تقرير هيومن رايتس ووتش المعنون “كل شي أسويه يحتاج موافقة رجل: المرأة وقواعد ولاية الرجل في قطر”، والذي انتقد تقييد حقوق النساء بشدّة في قطر بسبب نظام ولاية الرجل..

وأضافت آل ثاني “أنا امرأة قطرية، في طاعة “ولي الأمر” فيما لا يتعارض مع دين الله، حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وهذا ما نص عليه ديننا “عقيدتنا” والتي عليكم احترامها!  نحن متقبلون الوضع، فما الذي يزعجكم؟ هل تسمحون لنا بالتدخل في معتقداتكم أم حينها سوف تدرجونها ضمن “انتهاكات حقوق الإنسان”؟

هذا الرد يعتبر بالطبع عنيفا وغير معتاد أن يأتي من قطر التي اعتادت قناة الجزيرة فيها على استخدام تقارير هيومن رايتس ووتش وغيرها من المنظمات الحقوقية لجلد ظهر الحكومات العربية المناوئة لها!

وفيما تتمنى الحكومات العربية أن تستخدم سلاح حقوق الإنسان نفسه في مواجهة الهجمات التي تشنها قناة الجزيرة “فالقوم يألمون كما تألمون”، فإن المشكلة هي أن معظم هذه الحكومات لها مشاكلها الخاصة مع منظمات حقوق الانسان وتقاريرها وبالتالي فهي لا تجيد استخدامه.

لكن الأمر لا يتوقف هنا عند المنظمة الحقوقية وتقريرها، فالمؤسف أن قناة الجزيرة وهو مؤسسة عالمية ولها ملايين المتابعين حول العالم، كما هو معروف، تستخدم إمكانياتها لدعم أكثر الاتجاهات رجعية ومعاداة للمرأة ولقيم التقدم والتنوير في المجتمعات العربية.

ففي 28 مارس 2021، دافعت مذيعة قناة الجزيرة في برنامج تلفزيوني عن الحملة التي أطلقها بعض أتباع نظام عمر البشير لاستخدام السوط لجلد السودانيات اللواتي لا يلتزمن بالزي “المحتشم” في الشارع، والمعنونة “السوط لجلد البنات”، قائلة إن هذه الدعوة هي حرية تعبير من جانب هؤلاء!

فهل يمكن اعتبار التحقير والتحريض على العنف حرية تعبير؟ وهل يمكن التسامح مع دعوة لاستخدام “السوط” أو “الجلد”، بوصفها وجهة نظر قابلة للنقاش، بدلا من إدانتها ومطالبة القائمين عليها باللجوء إلى القانون واحترام النظام؟ 

ألا يصب ذلك في تشجيع الغوغاء والدهماء على إشاعة الفوضى والعنف وإراقة الدماء؟
وقبل ذلك بأيام قليلة، أصيب الكثير من المتابعين في العالم العربي بالدهشة جراء ما نشرته قناة الجزيرة من تغريدات على مواقعها العربية والانجليزية اتسمت بالتناقض الشديد بشأن وفاة الكاتبة والناشطة النسوية المصرية نوال السعداوي.

ففي تغريدة بالإنجليزية أطلقت الجزيرة على السعداوي وصف أيقونة حقوق المرأة، بينما اعتبرتها في تغريدة بالعربية أنها داعية لتقنين الدعارة والتشكيك في القرآن وأن أفكارها مناقضة لثقافة المجتمع. فما هو يا ترى موقف الجزيرة الحقيقي من نوال السعداوي؟

لا نرجم بالغيب، ولكن التغريدة بالعربية لا تبتعد كثيرا عن مضمون آلاف المساهمات التي انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي في جوقة واحدة تكفر السعداوي وتكيل لها الشتائم وتتشفى بموتها!

وإذ لا حاجة بي لإعادة كتابة تلك المساهمات هنا، فإني أشاطر الكثيرين ممكن وجدوها رهيبة ومفزعة، ليس من باب أنها تعارض أفكار أو آراء السعداوي، فالمعارضة والاختلاف حق طبيعي للإنسان، ولكن لأن اللغة والتوحش والتدني الأخلاقي الذي كتبت به، توحي بأن هؤلاء لا يتورعون عن الاعتداء وسفك الدماء والتمثيل بالبشر، متى ما أتيح لهم ذلك، في تذكرة تعيدنا للتفكير مليا بأن ما قام به مسلحو تنظيم داعش، لم يكن شيئا خارجا عن البيئة والثقافة السائدة اليوم في أوساط كثيرة داخل المجتمعات العربية. 

وهي نفس الثقافة التي تسمح بالتحرش الجنسي بالنساء والاعتداء عليهن في بعض المجتمعات وقتلهن في مجتمعات أخرى واستباحة الخصوصيات والتهجم على المنازل التي يفترض أنها آمنة وإطلاق السباب والبذاءات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهي ثقافة تشي بأن بعض المجتمعات العربية تنتظرها أوقاتا عصيبة في المستقبل، وأن معاناة النساء فيها سوف تتفاقم أكثر مما هي الآن. وما يزيد الطين بلة أن بعض     الحكومات تبدوا إما عاجزة أو متواطئة مع تلك الاتجاهات النكوصية، وبدلا من التحلي بالشجاعة وتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين فإنها تفضل المسايرة وغض الطرف أملا في النجاة المتوهمة! 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *