هيومن رايتس ووتش – 29 مارس 2021/
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نشرته اليوم(29 مارس 2021) إنّ نظام ولاية الرجل التمييزي في قطر يحرم النساء من حقّهنّ في اتخاذ قرارات أساسية متعلّقة بحياتهنّ.
يحلّل التقرير الصادر في 94 صفحة بعنوان “كل شي أسويه يحتاج موافقة رجل: المرأة وقواعد ولاية الرجل في قطر” القواعد والممارسات المتعلقة بولاية الرجل. وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ على النساء في قطر الحصول على إذن من أوليائهنّ الذكور للزواج، والدراسة في الخارج بعد نيل منحة حكومية، والعمل في العديد من الوظائف الحكومية، والسفر حتى عمر معيّن، والحصول على بعض أشكال الرعاية الصحية الإنجابية. يحرم النظام التمييزي المرأة أيضا من السلطة لتكون ولية الأمر الرئيسية لأطفالها، حتى بعد طلاقها وحصولها على الحضانة القانونية. تنتهك هذه القيود دستور قطر والقانون الدولي.
قالت روثنا بيغم، باحثة أولى في حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: “كسرت النساء في قطر الحواجز، وأحرَزن تقدّما ملحوظا في مجالات مثل التعليم، لكن ما يزال عليهنّ التعامل مع قواعد ولاية الرجل التي تفرضها الدولة وتقيّد قدرتهنّ على عيش حياة كاملة، ومثمرة، ومستقلّة. يرسّخ نظام ولاية الرجل سلطة الرجال على حياة النساء وخياراتهن وتحكّمهم بهن، وقد يعزّز أو يغذّي العنف، تاركا للنساء قلة من الخيارات المجدية للفرار من اعتداءات أسرهنّ وأزواجهنّ”.
تستند نتائج هيومن رايتس ووتش إلى مراجعة 27 قانونا، بالإضافة إلى قواعد، وسياسات، واستمارات، ومراسلات مكتوبة مع الحكومة، و73 مقابلة، منها 50 مقابلة معمّقة مع نساء متأثرات بنظام الولاية. في مراسلات مكتوبة أُرسلت في فبراير/شباط ومارس/آذار 2021، أكّد ممثلون حكوميون نتائج عديدة ودحضوا غيرها، على الرغم من أدلّة هيومن رايتس ووتش التي تشير إلى عكس ذلك.
تستوجب القوانين القطرية من النساء الحصول على إذن أولياء أمورهنّ للزواج، بغضّ النظر عن عمرهنّ أو وضعهنّ العائلي السابق. عند زواج المرأة، قد تُعتبر “ناشزا” )عاصية( إذا لم تحصل على إذن زوجها قبل العمل، أو السفر، أو إذا تركت منزلها أو رفضت ممارسة الجنس معه بدون “عذر شرعي”. يجوز للرجال أن يتزوّجوا حتى أربعة نساء في الوقت نفسه، من دون إذن من وليّ أمر أو حتى من زوجتهنّ أو زوجاتهنّ الحاليات.
لا يمكن للنساء أن يكُنّ الوصيات الرئيسيات لأطفالهنّ في أيّ وقت. ليس لديهنّ أيّ سلطة في اتخاذ قرارات مستقلّة متعلّقة بوثائق أطفالهنّ، وأموالهم، وسفرهم، وأحيانا دراستهم وعلاجهم الطبي، حتى لو كانت النساء مطلّقات وحكمت محكمة بسكن أطفالهنّ معهنّ (“الحضانة”)، أو في حال وفاة والد الأطفال. إذا لم يكُن للطفل قريب ذكر لتأدية دور الوصي، تتولّى الحكومة هذا الدور.
نتيجة التمييز في القوانين المتعلّقة بالطلاق والقرارات المرتبطة بالأطفال، أُسرت بعض النساء في علاقات منتهِكة، وانتظرن غالبا سنوات للحصول على الطلاق. إذا هجرت المرأة زوجها، قد لا تستطيع الزواج من جديد، خوفا من فقدان حضانة أطفالها، فتظلّ معتمدة على زوجها السابق الذي يبقى الوصي القانوني على الأطفال.
قالت النساء اللواتي أُجريت معهنّ مقابلات إنّ أولياء أمورهنّ منعوهنّ من الدراسة في الخارج أو ارتياد جامعات مختلطة في قطر، ما حدّ من مجالات دراساتهنّ وبدء مسيرة مهنية في المستقبل. يتوجب على المرأة نيل إذن ولي أمرها بشكل غير مباشر لنيل منحة حكومية ومتابعة دراساتها العليا. أفادت النساء عن مواجهة قيود في “جامعة قطر” الحكومية التي تفصل بين النساء والرجال، منها حاجتهن إلى إذن أولياء أمورهن لدخول الجامعة أو مغادرتها بسيارة أجرة، وللإقامة في السكن الطلابي، والقيام برحلات ميدانية كجزء من دراستهن.
في ردّها المكتوب على هيومن رايتس ووتش، قالت الحكومة إنّه يمكن للنساء أن يكنّ وَليّات الأمر لاستصدار جوازات سفر أو بطاقات شخصية لأطفالهنّ، ولسْنَ بحاجة إلى إذن وليّ أمرهنّ لقبول منحة أو العمل في الوزارات، أو المؤسسات الحكومية، أو المدارس. أضافت السلطات أن موافقة وليّ الأمر ليست ضرورية للرحلات الميدانية التعليمية في جامعة قطر التي تشكل جزءا من البرامج الأكاديمية. لكنّ أبحاث هيومن رايتس ووتش، بما فيها المقابلات ومراجعة الوثائق، مثل استمارات المدارس والعمل التي تطلب إذن وليّ الأمر، تعارضت مع مزاعم الحكومة.
قالت نساء قطريات لـ هيومن رايتس ووتش إنّهنّ بحاجة إلى إذن وليّ أمرهنّ للعمل في وظائف حكومية كثيرة، بما فيها الوزارات والمدارس الحكومية. بينما لا ينصّ أيّ قانون على حصول النساء على إذن أولياء أمورهنّ للعمل، لا تمنع أيّة قوانين التمييز ضدّ المرأة في عملية التوظيف.
وجدت هيومن رايتس ووتش أنّه ينبغي على النساء القطريات غير المتزوّجات دون سن 25 عاما أن يحصلن على إذن وليّ أمرهنّ للسفر إلى الخارج، وأنّ الزوج أو الوالد قادر على منع المرأة من السفر مهما كان عمرها. فيما يتعلّق بالسفر وغيره من المسائل، يصعب على المرأة الطعن في القواعد بسبب عدم شفافيتها وعدم معرفة متى ستتغيّر. في 2020، أوقف مسؤولون في المطار بعض النساء المسافرات من دون قريب ذكر، وأصرّوا على الاتصال بأولياء أمورهنّ لإثبات أنهنّ لا يحاولن “الهروب”. أوقفت السلطات نساء قطريات غير متزوّجات دون 25 عاما يحملن تصاريح سفر صالحة، ونساء فوق 25 عاما ليس من المفترض أن يحتجن إلى إذن مماثل.
قالت النساء إنهنّ اضطُررن إلى إبراز إثبات زواج للحصول على بعض خدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، مثل الرعاية السابقة للولادة، والصورة الصوتية عبر المهبل، ومسحة عنق الرحم، ومعاينات الصحة الجنسية. كما احتجن إلى موافقة أزواجهنّ لبعض أشكال الرعاية الصحية الإنجابية المتعلّقة بالحمل، مثل التعقيم والإجهاض. تمنع بعض الفنادق النساء القطريات غير المتزوّجات دون 30 عاما من حجز غرفة من دون رفقة قريب ذكر، وتُحرم النساء من حضور بعض الفعاليات والدخول إلى أماكن تقدّم الكحول.
تخضع المواطنات الأجنبيات في قطر اللواتي يعتمدن على الزوج أو الوالد ككفيل لتأشيراتهنّ لضوابط مشابهة لتلك السارية في نظام ولاية الرجل. تحتاج النساء إلى إذن كفيل التأشيرة للحصول على رخصة سوق، أو العمل، أو نيل منحة حكومية للدراسة في قطر.
قالت أغلبية النساء اللواتي أُجريت معهنّ مقابلات إنّ القواعد أثرت بشكل كبير على قدرتهنّ على عيش حياة مستقلّة. أفادت بعضهنّ أنّ ذلك أثّر في صحتهنّ النفسية، وأسهم في أذية أنفسهنّ، والاكتئاب، والتوتّر، والتفكير في الانتحار.
أصبحت النساء في قطر أكثر تعبيرا عن حقوقهنّ، خصوصا عبر الإنترنت. لكن وجدت هيومن رايتس ووتش أنّ القوانين التي تقيّد حرية التعبير وتكوين الجمعيات، والتخويف الذي تمارسه السلطات، والمضايقات على الإنترنت ما تزال تشكّل عراقيل جدية في غياب منظمات مستقلّة لحقوق المرأة.
تتناقض قواعد نظام ولاية الرجل مع بعض القوانين القطرية التي تنصّ على إنهاء الولاية بعمر 18 عاما، وتنتهك الدستور القطري والتزامات البلاد بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. يصعّب ذلك أيضا على قطر تحقيق “الرؤية الوطنية 2030″، التي تحدّد الأهداف طويلة الأمد للبلاد، منها تطوير قوى عاملة متنوّعة فيها فرص للنساء القطريات.
قالت بيغم: “من خلال ترسيخ قواعد ولاية الرجل، تخذل قطر النساء، وتتراجع مقارنةً بالبلدان المجاورة، علما أنها كانت أحيانا في موقع قيادي على هذا الصعيد. ينبغي أن تلغي قطر جميع القواعد التمييزية بحقّ المرأة، وتعمّم هذه التغييرات، وتسنّ تشريعات مناهضة للتمييز، وتحرص على منح النساء المساحة المدنية للمطالبة بحقوقهنّ”.
شهادات فردية من التقرير
قالت “نوال”، امرأة قطرية (32 عاما)، إنها عندما تقدمت بطلب إلى لجنة الزواج الحكومية للسماح لها، كمواطنة قطرية، بالزواج رسميا من مواطن أجنبي وفقا للقانون القطري، رفض شقيقها – بصفته ولي أمرها – منحها الإذن. قالت: “كنت بحاجة إلى توقيعه ورسالته، وشعر بالقوة وأبدى مقاومة. كانت لدينا مشكلة شخصية، فقال: ’لن أساعدك‘”.
قالت “أم قحطان”، امرأة قطرية (44 عاما)، إنّ زوجها هددها بمنع سفر أطفالها الأربعة معها إذا هجرته، وبنقلهم من مدارس دولية إلى مدارس حكومية. قالت بعد أن هجرته، “نفّذ الأمرَيْن”.
قالت إنّ قاضيا رفض، خلال جلسة استماع في فبراير/شباط 2021، التماسها نقل ابنها إلى مدرسة مختلفة، على أساس أنّه لا يمكن أن يتدخّل في “حق الأب الذي منحه إياه الله ليقرر أي مدرسة يرتادها طفله”.
قالت “سناء”، امرأة قطرية (31 عاما): “للحصول على منحة دراسية للدراسة في الخارج، تحتاج المرأة إلى إذن وليّ أمرها… حتى في جامعة قطر، كمساعدة تدريسية، عليكِ الحصول على إذن وليّ أمرك الذي يفيد بأنّه لا يمانع أن تتابعي دراستك في الخارج”.
“نائلة”، معلمة (24 عاما)، وصفت عملها في 2019 في التدريس: “كان عليّ الحصول على بطاقة والدي الشخصية وخطاب الموافقة على أنه لا يمانع عملي في هذه الوظيفة وهذا المكان… كانت [الرسالة موجهة] لوزارة التعليم”.
قالت “منى”، امرأة قطرية (32 عاما)، إنها أُوقفت في المطار في 2020، وقيل لها: “صدرت أنظمة داخلية جديدة”. قالت إنها رفضت إعطاء رقم والدها في البداية، محتجّة: “ما تفعله غير قانوني، والقانون ينص على أنه يمكنني السفر طالما أن عمري فوق 25 سنة”. لكنّها أضافت: “قالوا إن ذلك في مصلحة أمن الدولة الداخلي لقطر والمصالح الفضلى لأسر قطر… ثم أعطيته الرقم وتمنيت أن يكون والدي مستيقظا. كان الوقت منتصف الليل، وهو في الـ67…. نحن مواطنات ولدينا الحق في معرفة القانون الذي يتم إيقافنا بسببه”.
قالت “دانا”، امرأة قطرية (20 عاما)، إنها عندما كانت في الـ18، كان عليها أن تكذب وتقول إنّها متزوجة وتعطي اسم ورقم زميلها، زاعمة أنّه زوجها، للحصول على رعاية صحية طارئة، مع أن الحالة لم تكن متعلقة بأي نشاط جنسي. قالت: “ذات مرة، أحالني طبيب الطوارئ إلى مستشفى النساء لإجراء صورة صوتية. كنت أشعر بألم شديد لدرجة أنني اعتقد أن مبيضي انفجر. لكنهم رفضوا إجراء صورة صوتية [عبر] المهبل بدون شهادة زواج. رفضوا فعليا القيام بفحص جسدي عليّ لأنني لم أكن متزوجة…”
شرحت “نادين”، مواطنة بريطانية تعيش في قطر (33 عاما)، كيف عانت من التهاب بطانة الرحم منذ سن 13، لكن لم تُشخّص في قطر إلا بعد بضع سنوات من الزواج، حيث لم يسمح لها أخصائيو الصحة بالخضوع لفحوصات معينة، بما فيها صورة صوتية عبر المهبل، أو مسحة عنق الرحم، أو خزعة الرحم بدون وثيقة زواج. قالت: “تعانين في صمت. كان لدي ألم رهيب”.