عمران سلمان – الحرة – 19 مارس 2021/
في السابع من مارس الجاري، صوت 51,2% من الناخبين والناخبات في سويسرا لصالح المبادرة الشعبية الداعية لحظر تغطية الوجه في الأماكن العامة – والمقصود منها حظر ارتداء النقاب والبرقع – ويستثني من ذلك تغطية الوجه لأسباب أمنية أو مناخية أو صحية.
مؤيدون ومعارضون
الاستفتاء وكذلك نتيجته لم تمرا من دون معارضة، ولا سيما من جانب الحكومة السويسرية نفسها، التي قالت إن عدد المسلمات اللواتي يرتدين النقاب أو البرقع في البلاد ضئيل جدا، ربما لا يتجاوز بضع عشرات فقط، الأمر الذي لا يستحق إصدار قانون، وجادلت بأنه سيكون لذلك عواقب سلبية على السياحة، وأتصور أنها تقصد بذلك بعض دول الخليج، وخاصة قطر والسعودية حيث لا يزال هذا اللباس منتشرا..
منظمات حقوق الإنسان هي الأخرى انتقدت الاستفتاء ونتيجته، حيث اعتبر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن ذلك تقييد جائر لحريات أساسية. وقال في بيان “لا ينبغي إجبار النساء على تغطية وجوههن. وفي الوقت نفسه، فإن الحظر القانوني على تغطية الوجه سيحد دون داعٍ من حرية المرأة في إظهار دينها أو معتقداتها، وسيكون له تأثير أوسع على حقوق الإنسان الخاصة بهن”.
أما المؤيدون للحظر والذين لا يشملون اليمين فحسب ولكن انضم إليهم أيضا النسويات اليساريات والمسلمين التقدميين، فقد دافعوا عن موقفهم بنفس القدر من الحماس.
وبحسب فالتر فوبمان من حزب الشعب السويسري اليميني وعضو لجنة المبادرة الشعبية، فإن الخطوة كانت “رمزًا للتحرك ضد القيم الإسلامية المعادية للديمقراطية التي لا مكان لها في سويسرا”. فيما قال إمام برن مصطفي مميتي لصحيفة “لو تان” الفرنسية إن “النقاب ليس له أساس ديني، أغطية الوجه لم تذكر في القرآن، فهي رموز اخترعتها قوى إسلامية متشددة من عصر آخر. ولا يوجد سبب للدفاع عن هذه الملابس”.
من جانبها أكدت الفيلسوفة السياسية السويسرية كاتيا جينتينيتا “تطلبت هذه المبادرة منّا أيضاً التمييز في أمرين أساسيين: أولاً، التفريق بين المسلمين والأصوليين (أو الإسلاميين)، وثانياً، الانتباه إلى أنّ حظر تغطية الوجه ليس اعتداء على المسلمين، بل اعتداء على الإسلام السياسي، والإسلاموية، والسلفية، وداعش”.
علاقة مشحونة
بالطبع في سياق مختلف ربما كان يمكن التعاطي مع هذه القضية أو القضايا المشابهة من زاوية مغايرة، حيث لا يشكل اللباس في حد ذاته مشكلة تتطلب إجراء استفتاء أو سن قوانين وإنما يكتفى بإجراءات أو تعليمات إدارية محلية. لكن لأننا في سياق الهجمات الإرهابية المتكررة في أوروبا وفي سياق الهجرة والعلاقة المتوترة مع الإسلام، فإنه يغدوا النقاب والبرقع، وربما لاحقا الحجاب أيضا، مشكلة جوهرية، لأنه يحضر هنا كرمز مكثف لهذه العلاقة المشحونة بالتوتر داخل أوروبا.
فكثير من السويسريين الذين صوتوا لصالح الحظر ربما لم يشاهدوا في حياتهم امرأة منقبة أو ترتدي البرقع، لكنهم بالتأكيد يتوجسون خيفة حين يستحضرون هذا الزي وارتباطه بالإسلام الراديكالي. فهو برمزيته تلك قادر لوحده أن يستحضر مشاهد لا حصر لها من السلوك الدموي والعنيف الذي طبع صورة الإسلام في أذهان العديد من الأوروبيين.
والأمر ليس مقتصرا على سويسرا وحدها، فقد سبقتها دول أوروبية في حظر ارتداء البرقع والنقاب مثل هولندا وألمانيا وفرنسا والنمسا وبلجيكا والدنمارك في عام 2011. وجميع هذه الدول تصرفت تحت وطأة القلق بشأن أنشطة المتطرفين الإسلاميين في أوروبا والشرق الأوسط.
معضلة حقيقية
بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان والليبراليين فإن هذه المشكلة تمثل معضلة كبرى. فمن جهة يتعين على هؤلاء أن يدافعوا عن المرأة التي تلبس النقاب أو البرقع باعتبار ذلك جزءا من حريتها، لكن من الجهة الأخرى فإن هذا اللباس نفسه هو رمز للتمييز ضد المرأة، التي قد تملك الحرية في ارتدائه، لكن ليس لها الحرية في خلعه إن هي قررت ذلك. عدا أنه ليس لباسا متفقا عليه بين المسلمين أنفسهم.
والسؤال هو كيف يمكن التوفيق بين الموقفين؟ وكيف يمكن ضمان أن الحرية التي تكون لإنسان، لا تكون هي نفسها قيدا على إنسان آخر؟
قد لا توجد إجابة جاهزة على ذلك، أو قد يكون السؤال نفسه خاطئ من الأساس. لكن الأمر الجلي هو أن صورة الإسلام تظل مقيدة بسلوك المسلمين. وأنه ما لم يتغير هذا السلوك فلن تتغير تلك الصورة. فحين يسلك المسلمون طريقا مختلفا عن الطريق الذي يسيرون فيه اليوم، بالتأكيد سوف تتغير نظرة الشعوب الأوروبية لهم وللإسلام. وفي وضع يقدّر فيه المسلمون حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة، وفي وضع يتصالحون فيه مع أنفسهم ومع الآخرين، وفي وضع يحترمون فيه أتباع الأديان الأخرى ومن لا دين لهم، ويخرجون الدين من الحقل العام ويعتبرونه شأنا خاصا وفرديا، في وضع كهذا لن يكون النقاب أو البرقع أو الحجاب نفسه مشكلة لأحد. حينها سوف يعتبر بالفعل حرية شخصية للمرأة. مثلها في ذلك مثل السيخ الذين يضعون العمامة على رؤوسهم. فرغم كونها مظهرا دينيا صارخا إلا أنها لا تثير أية مشكلة في أوروبا أو في غيرها من البلدان، ولا أحد يكترث لذلك أو يدعو بالطبع لسن قانون أو إجراء استفتاء على حظر أغطية الرأس!