إقبال متزايد على تعلم اللغة العبرية في الخليج

دويتشه فيله – 15 مارس 2021/

منذ تطبيع الإمارات والبحرين علاقاتهما مع إسرائيل العام الماضي، يزداد الإقبال بشكل كثيف على تعلم اللغة العبرية في الدول الخليجية، وقد أصبحت كلمة “شالوم” تسمع كثيراً في شوارع دبي، تُرى ما هي دوافع هذا الإقبال غير المتوقع؟

الفضول هو ما دفع “مي البادي” إلى تعلم اللغة العبرية، كما تقول الشابة الإماراتية التي تعيش في دبي، وتضيف: “(ما دفعني كان) الرغبة في معرفة المزيد عن شيء لا يوجد هنا”، وتتابع: “لقد سحرتني اللغة منذ أن كونت أصدقاء يهود في الولايات المتحدة”.

لكن السبب الرئيسي الذي جعلها تبدأ أخيراً بتعلم اللغة عبر دورة على الإنترنت كان الأصدقاء اليهود الذين قابلتهم في دبي، وهم مغتربون دعوها لتناول الطعام في منازلهم يوم السبت “شابات”، وهو يوم العطلة الأسبوعية لدى اليهود.

كان ذلك قبل عام، وذلك بعد أن أعلنت الإمارات أن عام 2019 هو “عام التسامح”، وقد جعل ذلك الجالية اليهودية الصغيرة في الإمارات العربية المتحدة تعلن عن خططها لبناء كنيس يهودي.

ومنذ توقيع الإمارات اتفاق “أبراهام” للتطبيع مع إسرائيل في أيلول /سبتمبر الماضي، توافد الآلاف من رجال الأعمال والسياح الإسرائيليين إلى دبي. تكيفت الفنادق مع الاحتياجات الخاصة للزبائن اليهود، وبدأت تقدم وجبات الكوشر (الحلال بالنسبة لليهود) ووجبات ما قبل “شابات” لنحو 200 شخص في المرة الواحدة.

في نفس الفترة تقريباً، تجاوز الطلب على دورات اللغة العبرية الحد الأقصى للقدرة الاستيعابية، كما يقول “جوش ساميت”، مدير المعهد التعليمي العبري (EHI) في دبي وأبو ظبي. ويضيف عبر الهاتف من دبي: “لم أصدق ذلك. كنت أقوم بتدريس وزراء في الحكومة ومغتربين بشكل أساسي، وفجأة وجدنا أن هناك هذا الطلب الهائل”.

زيادة الإقبال على تعلم العبرية

يضم معهده الآن بضع مئات من الطلاب، معظمهم مبتدئون وبعضهم في المستوى المتوسط. يقول “ساميت” إن المتعلمين من مختلف فئات المجتمع، بدءاً من الطلاب الذين يرغبون بالدراسة في إسرائيل، مروراً برجال الأعمال ورجال الدين والأطباء والمحامين والمرشدين السياحيين وحتى أفراد العائلة المالكة.

يقول ساميت: “والآن، الطلاب من جميع الجنسيات. في السابق، كان معظمهم من رجال الأعمال الصينيين والكوريين”. يقدم المعهد دورات عبر الإنترنت مع معلمين في إسرائيل، ولكنه يقدم أيضاً دروساً في المعهد وفي مكاتب الشركات أو الحكومة.  بالطبع، تم تكييف كل شيء بما يتماشى مع قواعد مواجهة كورونا. لكن “لا يزال بعض الأشخاص يفضلون العمل وجهاً لوجه”، كما يقول ساميت.

يأتي الإقبال على تعلم العبرية بسبب الفرص التجارية التي فتحتها الاتفاقات مع إسرائيل، فضلاً عن العدد الهائل من الإسرائيليين الذين من المتوقع أن يزوروا الإمارات العربية المتحدة. ففي الآونة الأخيرة، طلبت السلطات في أبو ظبي من معهد ساميت تقديم ترجمة عبرية لنشرة حول لقاح مضاد لكورونا. وفي البحرين أيضاً، والتي وقعت على اتفاق التطبيع في نفس الوقت مع الإمارات العام الماضي، ينشط المحتوى العبري على الإنترنت.

في الوقت نفسه، يرى ساميت تزايد الإقبال على تعلم العبرية عبر الإنترنت من مواطني دول خليجية لم توقع اتفاقيات سلام مع إسرائيل بعد – مثل المملكة العربية السعودية، وذلك رغم أنه ومنذ تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، كان كل ما يتعلق بإسرائيل واليهودية من المحرمات في معظم دول العالم العربي.

العبرية كفرصة لإنشاء وتطوير الأعمال

بالنسبة للبعض، فإن تعلم العبرية يعني ببساطة القدرة على التحدث ببضع كلمات لجذب الزبائن. ويروي الزوار اليهود وكذلك مغتربون كيف يتم الترحيب بهم ومخاطبتهم بالعبرية في شوارع دبي.

على سبيل المثال، وصف الحاخام حاييم دانزينغر من روستوف في جنوب روسيا على موقع “لينكدإن” كيف رحب به صاحب متجر أفغاني بالعبرية بالقول: “”Chaver, ma nishma، أي “صديقي، كيف حالك؟”

نتيجة لذلك، دخل الحاخام المتجر الذي يبيع الملابس العربية التقليدية. صاحب المتجر كان يعلم بقرب موعد عيد المساخر اليهودي “بوريم” القادم، وباع للحاخام ملابس عربية له ولابنيه بهذه المناسبة. وقال صاحب المتجر للحاخام: “ارتديها تضامناً واحتفالاً بمعاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل”.

ترحيب حار بالإسرائيليين

في كانون الأول/ديسمبر الماضي، سافر نحو 60 ألف إسرائيلي إلى الإمارات العربية المتحدة، لكن التدفق توقف منذ ذلك الحين بسبب إجراءات الإغلاق. وعلى الرغم من أن تجارب الزوار الإسرائيليين كانت إيجابية في الغالب، إلا أن بعض المغتربين اليهود يعترفون بأنهم خائفون من الانطباع الذي تركه أولئك الذين يسيئون التصرف. فلا يزال معظم الإماراتيين محافظين تماماً. فتناول المشروبات الكحولية مسموح، لكن ليس في الشوارع. كما لا يُقبل السلوك الناتج عن تأثير الكحول. وانتهى المطاف ببعض الزوار الإسرائيليين في السجن، وهناك حديث عن جعل كل زائر يوقع على تعهد بالالتزام بالعادات والمعايير المحلية قبل دخول البلاد.

ومع ذلك، لا ينبغي تصنيف أي من هذا على أنه معاد للسامية، كما يقول أفراد من الجالية اليهودية. كثيرون منهم يقولون إنهم يجدون المناخ في الإمارات العربية المتحدة أكثر ودية فيما يتعلق بهذا الجانب مقارنة بالعديد من الأماكن في الغرب. فأين في الغرب يأخذ السكان المحليون عناء تعلم اللغة العبرية؟

وبالنسبة لمعظم المتحدثين باللغة العربية، ليس من الصعب تعلم اللغة العبرية، فكلتاهما لغتان ساميتان والعديد من الكلمات والقواعد النحوية متشابهة. تقول ستيفاني ميلر، وهي معلمة خاصة في أبو ظبي تقوم بتدريس العبرية منذ سنوات هناك وفي الولايات المتحدة. هذا ويجيد بعض الإماراتيين اللغة العبرية بطلاقة. ونظراً لأن الطلاب الجدد يميلون إلى القدوم إليها عبر توصيات شفهية، فإنها لم تشهد الارتفاع الهائل في الطلب الذي تحدث عنه جوش ساميت، تقول ميلر مضيفة: “حتى المغتربين اليهود يريدون تعلم اللغة الآن، وبعض المسيحيين أيضاً”.

التعرف على الثقافة

كان انطباعها أن العديد من الإماراتيين بدأوا بتعلم العبرية في المقام الأول على أمل توسيع شبكات علاقاتهم، فهم يريدون التعرف على الأشخاص في الأماكن المناسبة لممارسة الأعمال التجارية، ولهذا السبب يفضلون المعاهد الإسرائيلية مثل (EHI) على المعلمين الخاصين مثلها. في الوقت نفسه، تتوقع أن الجامعات في الخليج أيضاً ستقدم دروس اللغة العبرية قريباً.

ففي البحرين، أسست “أسماء العطوي”، وهي أول خريجة في البحرين في الأدب العبري واللغة العبرية (درست في القاهرة)، أكاديمية “شيموت” لنفس السبب، وستقدم قريباً دورات عبر الإنترنت من خلال تطبيقات الهواتف الذكية. وكجزء من برنامجها، تقدم “العطوي” دورات خاصة مع مدربين خبراء في الأعمال والسياحة والسياسة.

أما بالنسبة إلى “مي البادي”، فقد تطورت قدراتها باللغة العبرية لدرجة أنها تستطيع قراءة بعض النصوص الدينية خلال المناسبات التي تحضرها مع أصدقائها اليهود، وذلك ليس فقط في يوم السبت، ولكن أيضاً في الاحتفالات اليهودية مثل يوم الغفران “كيبور” و”بوريم”. تقول “مي”: “قرأت الكتاب المقدس معهم، ويمكنني أن أفهمه. العبرية التوراتية صعبة بعض الشيء، لكن ذلك ممارسة جيدة للغة”.

مي سعيدة الآن، لأن تعلم اللغة العبرية زاد من معرفتها بالثقافة اليهودية. تقول: “أنا أحب الطعام. ويعجبني وجود طعام محدد لكل عطلة في التقاليد اليهودية”، وتضيف: “مثلما فعل والدي من أجلي، أريد أن يكون أطفالي واعين ثقافياً. أنا سعيدة لأنهم يعرفون الكثير عن الثقافة اليهودية”.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *