عمران سلمان – الحرة – 5 فبراير 2021/
اتفق مع ما ذهب إليه الزميل حسين عبد الحسين من أن أسهل وأسرع طريقة لقيام دولة فلسطين العربية هو إقناع الإسرائيليين بأن أي دولة فلسطينية سيدة ومستقلة ستكون حليفا وثيقا لإسرائيل، تشترك معها في المصالح والمستقبل. وأن على الفلسطينيين أن يطوروا خطابا “يسعى إلى تأكيد أنهم ودولتهم سيدافعون عن إسرائيل وأمنها ومستقبلها كدولة يهودية”.
المشكلة طبعا هي كيف يمكن للفلسطينيين والعرب أيضا أن يصلوا إلى هذه المرحلة من النضج والتطور السياسي والنفسي والعقلي؟ دون ذلك ماراثونات طويلة، دينية وقومية وسياسية عليهم قطعها. ولست استبعد أن يخرج من بين الفلسطينيين، بسبب الظروف المأساوية التي يعيشونها، بما في ذلك واقع الاحتلال الإسرائيلي، جيل من القادة يقول كفى للماضي وينطلق من الحاضر والواقع المعاش في معالجته للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. لم نصل إلى هذا اليوم بعد، لكنه سوف يأتي من دون شك.
واحدة من أكبر المشاكل التي تعترض هذا النوع من المقاربات هو إضفاء الطابع الديني على النزاع. فالقول بأن قضية فلسطين إسلامية والحديث عن المسجد الأقصى والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث لجعل الصراع مع اليهود صراعا دينيا وواجبا إسلاميا، يجعل منه قضية مستحيلة الحل. لأنه يربطها بمفاهيم وأساطير غيبية لا سبيل إلى التحقق منها أو تحقيقها. أكثر من ذلك فإنه يؤسلم النزاع ويجعله رهينة بأيدي دول ومنظمات وأيديولوجيات لها مصالحها ومواقفها المتضاربة. بحيث تصبح القضية الفلسطينية جزءا من تلك التناقضات وراية يلتف حولها كل من شاء المزايدة ودغدغة عواطف الجماهير. وهذا ما يحدث اليوم. فحتى لو أراد الفلسطينيون أن يغيروا من مواقفهم سوف تقف لهم تلك الدول والمنظمات بالمرصاد لمعاقبتهم والتشكيك فيهم وتخوينهم.
ينطبق الأمر نفسه على جعل فلسطين جزءا من قضية قومية. والتاريخ العربي الحديث حافل بالأمثلة على كيفية استغلال الأنظمة والحكومات العربية لهذه القضية في صراعاتها البينية وخدمة مصالحها، بل أن بعض الحكومات العربية ذهبت أبعد من ذلك عبر تقسيم الفلسطينيين أنفسهم إلى موالين ومعادين وإنشاء تنظيمات فلسطينية تابعة لها. وبعضها اعتبر نفسه مسؤولا مباشرا عن هذه القضية بكل تفاصيلها وكان يشترط الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة.
ويمكن أن نرى اليوم بوضوح كيف تم اقحام القضية الفلسطينية مثلا في النزاع المغربي الجزائري بخصوص موضوع الصحراء الغربية. فالجزائريون يدعون أنهم الأكثر حرصا على فلسطين وقضيتها من المغاربة الذين أقاموا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. والمغاربة يردون عليهم بالعكس. وأصبح التراشق الإعلامي والسياسي بين الجانبين يحشر الموضوع الفلسطيني بصورة تلقائية، فيما الصراع بين الدولتين لا علاقة له بهذه القضية من قريب أو بعيد.
طبعا كثير من الفلسطينيين للأسف يشجعون هذا المنحى ويصرون على العروبة والإسلام منطلقا لحل القضية الفلسطينية، اعتقادا منهم بأن ذلك نقطة قوة لقضيتهم، فبحسب رأيهم كلما اتسع عدد الداخلين على خط القضية، كلما أصبح الدعم المقدم لها أكبر، لكن الحقيقة وكما اتضح بالدلائل أن ذلك هو من أكبر نقاط الضعف والأعباء التي تعاني منها. فهذا الربط ربما ينجح في الإبقاء على القضية الفلسطينية قائمة ولكنه يبعد أية إمكانية لإقامة الدولة الفلسطينية.
ما يمكن أن يسهل الوصول إلى الدولة الفلسطينية هو مقاربة هذه القضية من الناحية الإنسانية فحسب. وهذا يعني النظر لها من زاوية احتلال دولة لأراضي شعب آخر. وفي مناطق مختلفة من العالم يتم حل هذه القضايا على نحو تقليدي ومعروف، ولكن في حالتنا هذه وبحكم التعقيدات الجغرافية والسكانية وعامل المساحة فإن إنهاء هذا الاحتلال لا بد أن يسفر عنه تسوية لا تضر بمصالح أي من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الآن أو في المستقبل. تسوية لا ينفع معها أن يذهب كل من الإسرائيلي والفلسطيني في طريقه، أو أن يعمل أحدهما ضد الآخر، لأن مصيرهما مرتبط بصورة واضحة. وهذا لا يترك سوى خيار أن تكون الدولة الفلسطينية حليفا وثيقا لإسرائيل وأن تدافع الدولتان عن بعضهما البعض في مواجهة الأخطار الخارجية والداخلية.
لكن هذه المقاربة تتطلب جهدا عقليا ونفسيا كبيرين. هي تتطلب كما يقول الزميل حسين “سلام كل فلسطيني مع نفسه أولا، وتجاوز محن الماضي — نكبات ونكسات وانتفاضات — ومسامحة الإسرائيليين، وطلب السماح منهم، وإقامة صداقة معهم، وكسب ثقتهم وودهم”.
والسؤال هو ماذا يخسر الفلسطينيون إن هم فعلوا ذلك؟ لا شيء سوى الشقاء والوضع البائس وقيود بعض الأنظمة العربية والإسلامية وميليشياتها وأيديولوجياتها. لكنهم إن فعلوه فسوف يربحون الكثير.