عمران سلمان – الحرة – 27 نوفمبر 2020/
ليس من قبيل المبالغة القول بأن ردة الفعل على مشاركة الفنان المصري محمد رمضان في أمسية في دبي مع فنان أو فنانين إسرائيليين، كانت أكبر بكثير من الحدث نفسه، كما لو أن الذي انتقدوا أو أدانوا هذا التصرف، وجدوها فرصة سانحة للتعبير عن موقف سياسي لطالما أخفوه أو لم يكن من السهل عليهم أن يظهروه على هذا النحو في مواجهة أحداث أخرى كثيرة مماثلة. لكن هذا من شأنه أن يفجر تناقضات من نوع آخر كما سوف نرى بعد قليل.
هجوم غير مبرر
فإضافة إلى إجراء نقابة المهن التمثيلية ونقابة الصحافيين في مصر، اللتين تصدتا لمعاقبة رمضان، انبرى سيل كبير من الأعضاء على مواقع التواصل الاجتماعي (أو هكذا على الأقل ما تظهره المشاركات وإن كان من العسير معرفة العدد الحقيقي بسبب تعدد الحسابات) لمهاجمة رمضان والمطالبة بإنزال أشد العقوبات عليه. بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، عبر إطلاق أوصاف مثل الخيانة والعمالة وانعدام الوطنية وما شابه. وهناك من دعا إلى إسقاط جنسيته أو نفيه من مصر!
وبالطبع فإن أول ما يتبادر إلى ذهن الإنسان، هو ما الذي يحدث حقيقة؟ وما الذي فعله الفنان المصري ليستحق كل ذلك؟
وبصرف النظر عن الموقف من التطبيع أو السلام مع إسرائيل، فإن رمضان لم يزر إسرائيل مثلا ولم يدل بتصريحات ضد الدولة المصرية أو الشعب المصري، ولم ينتقد السلام البارد بين بلاده وإسرائيل!
الأمر الذي يدل على أن المسألة وإن كانت في ظاهرها متعلقة بإسرائيل، إلا أنها تعكس حجم الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تعيشه مصر وحجم التناقض والازدواجية في الكثير من أوجه التعامل.
للخلف در
خلاف ذلك فقد جرت في مياه الفترة الماضية أحداث أكبر بكثير من لقاء بين فنانين، ولم يكن هناك شيئا يشبه ما شهدناه في هذه القضية.
فقد أقامت الإمارات والبحرين والسودان علاقات مع إسرائيل، شملت جميع المجالات تقريبا، بما في ذلك فتح السفارات وإلغاء التأشيرات. وتطالعنا وسائل الإعلام كل يوم بمبادرات فنية واقتصادية واجتماعية وزيارات متبادلة بين مواطنين من هذه البلدان ونظرائهم من الإسرائيليين.
أكثر من ذلك ثمة مشاريع تعاون على جميع الأصعدة، ورحلات طيران منتظمة بين تل أبيب وأبو ظبي ودبي والمنامة، فضلا عن خطوط مباشرة لسفن الشحن والبواخر وما شابه.
بعبارة أخرى، فإنه في الوقت الذي يتوقف فيه الزمن في مصر لأن فنانا مصريا التقى بفنان إسرائيلي، فإن عجلة الأحداث في أمكنة أخرى من العالم العربي تدور بأقصى سرعتها باتجاه المستقبل.
وما هو هذا المستقبل؟ إنه يتلخص في كلمات معدودة: السلام وبناء الجسور والتعاون، وذلك بديلا عن الحرب والقطيعة والعداء.
معاقبة المصريين
من المفيد أن نعرج هنا أيضا على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وهي كما هو معروف أول اتفاقية سلام من نوعها في المنطقة العربية.
يحلو للكثيرين القول بأن هذه الاتفاقية هي بين الحكومات ولا تسري على المواطنين. وهذا أغرب ما يمكن سماعه. كما لو أن الدولة لا تمثل المواطنين، أو كما لو أن الدولة تعيش في واد والمواطنين في واد آخر.
وفي حين أننا يمكن أن نفهم، وفق هذا المنطق، أن الدولة لا يجب أن تتدخل فيمن يزور إسرائيل أو من يلتقي بإسرائيلي أو يرفض ذلك، لا تشجيعا ولا تعزيرا، إلا أن الواقع يقول شيئا مخالفا. الواقع هو أن الدولة المصرية تعاقب المواطنين الذين يزورون إسرائيل أو يلتقون بإسرائيليين، لكن هذا العقاب لا يتخذ دائما شكلا مباشرا وإنما يتلون ويتخفى وراء واجهات واتحادات ونقابات وما شابه ذلك. وفي كل مرة تثار هذه القضايا، يكون الرد بأن الشعب المصري يرفض التطبيع. كما لو أن هذا هو الشيء الوحيد الذي يجمع عليه الشعب المصري!
موقف صعب
لست هنا لأوجه الانتقاد إلى الحكومة المصرية، بقدر ما أحاول أن أبين أن هذه التناقضات لا تفيد مصر أو المصريين فهم أعزاء على قلوبنا. لكن هذا العجز المزمن في قبول السلام مع إسرائيل، سوف يجعل الموقف المصري صعبا، مع تزايد عدد الدول العربية الموقعة على اتفاقيات السلام مع إسرائيل، ومع انتظام هذه العلاقات وتطورها، لا سيما أن هذه الدول هي حليفة لمصر وتقف معها في نفس الخندق بالنسبة للعديد من القضايا.
فماذا يعني وجود الإماراتيين في إسرائيل أو الإسرائيليين في الإمارات، بينما يقال للمواطن المصري أن التطبيع هو خيانة؟
وماذا يعني أن تكون هناك أعمالا مشتركة وتعاونا، فنيا أو ثقافيا أو إعلاميا، بين هذه الدول وإسرائيل، بينما يقال للمواطن المصري بإن الإسرائيلي هو عدو؟
وكيف يمكن أن يؤثر ذلك كله على العلاقات ما بين المصريين وأشقاءهم العرب في هذه الدول؟
هذه القضايا لن تلبث أن تفرض نفسها، وهي سوف تجعل من ردة الفعل الحالية على الفنان محمد رمضان ذات مفعول عكسي، إذ هي لا تفعل سوى أن تكرس الازدواجية والانفصام وتصب في النهاية في طاحونة جماعات الإسلام السياسي ومن لف لفها.