عمران سلمان -الحرة – 26 يوليو 2019/
في كل دول العالم تقريبا يوجد زبائن ومستهلكون لنظرية المؤامرة، يقل عددهم أو يزيد، لكن في المنطقة العربية فإن هذه النظرية يبدو أن لها شعبية خاصة، حتى أنها تحولت لدى أقسام لا بأس بها من السكان إلى اتجاه عام في التفكير، أو على الأقل الأساس الذي يقوم عليه التفكير السياسي.
آراء أغرب من الخيال!
وسواء تعلق الأمر بهجمات الحادي عشر من سبتمبر أو ما يجري اليوم من نزاع أميركي ـ إيراني أو حرب اليمن، أو أية أزمة سياسية أخرى، فإن نظرية المؤامرة تطل برأسها دائما، وبإمكان الإنسان أن يسمع حينها آراء وأفكارا تبدو أقرب إلى الخيال أو الكوميديا السوداء، التي لا يلطف منها سوى الحماس والإصرار من جانب المؤمنين بها على أن ما يتحدثون عنه هو في الواقع الحقيقة التي ما بعدها حقيقة.
ولا ريب أن نظريات المؤامرة ليست كلها من دون أساس. فهناك أمثلة على أن عددا منها (رغم قلته) كان صحيحا. ومن الأمثلة الكلاسيكية على ذلك فضيحة “ووتر غيت” التي تورط فيها الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون وأدت إلى الإطاحة به وقضية “إيران كونترا” أو “إيران غيت” خلال عهد الرئيس دونالد ريغان. وربما تكون هناك أحداث في التاريخ لا تزال تشكل لغزا، قد تنسب أيضا إلى مؤامرة، مثل اغتيال الرئيس الأسبق جون كيندي.الإنسان الذي يؤمن بنظرية المؤامرة، لا يحتاج إلى البحث أو التحليل أو الحصول على معلومات جديدة
بيد أن هذه الأمثلة لا تصلح لتدعيم فكرة أن كل ما يجري حولنا هو مؤامرة أو نتاج لمؤامرة أو على الأقل تخطيط وترتيب من قوى أو أفراد، يسعون إلى السيطرة علينا أو اخضاعنا أو الإضرار بنا.
جذور نظرية المؤامرة
والواقع أنه لا أحد منا محصن من الوقوع في أسر نظريات المؤامرة، وخاصة في أوقات الأزمات والاستقطاب الحاد، وفي الأوقات التي يبحث الناس خلالها عن أجوبة لتساؤلات تبدو مستعصية على الفهم أو الحل. فأقرب وأسهل وأريح طريق هو اللجوء إلى نظرية المؤامرة. ولكي يتفادى الإنسان هذا المصير فهو بحاجة إلى بذل قدر من الجهد العقلي والنفسي والمعرفي. وأول خطوة هي فهم طبيعة وآليات عملها.
إن نظرية المؤامرة في الأصل كانت تعني “فكرة أن حدثا ما أو ظاهرة معينة إنما هي نتاج لمؤامرة”.
وقد اتسع تعريف نظرية المؤامرة بحيث صار يعني “فكرة أن شخصا ما، أو مجموعة من الأشخاص، تتصرف على نحو سري، بغرض الوصول إلى السلطة أو الثروة أو النفوذ أو تحقيق فوائد أخرى. ويمكنها أن تقتصر على اثنين من البلطجية يتآمران للاستحواذ، دون وجه حق، على ملكية أحد المتاجر، أو مجموعة كبيرة من الثوريين الذين يتآمرون للإطاحة بحكومة بلدهم”.
وبحسب موقع “ويكي راشيونال” فإن “واحدا من أسوء الأشياء فيما يتعلق بنظريات المؤامرة هو حقيقة أنها منغلقة على نفسها. فكل محاولة لدحضها وكل دليل ضدها، سوف ينظر إليه باعتباره محاولة (لتضليل الرأي العام)، فيما ينظر إلى غياب الدليل على أنه تستر من جانب الحكومة”.
الكسل العقلي
وهناك ما يجمع بين المؤمنين بنظرية المؤامرة، كما يقول بروفيسور علم الاجتماع تيد غورزيل: “هناك نوع مشابه من المنطق لدى كل مجموعات (منظري المؤامرة)، كما أعتقد… وهو أنهم لا يهتمون بإثبات أن وجهة نظرهم صحيحة (بقدر ما) إيجاد عيوب في ما يقوله الجانب الآخر”.
أما عن خطورة الظاهرة فتقول عالمة السلوكيات كارولين أور” إن نظريات المؤامرة خطيرة لعدة أسباب. فمن بين أشياء أخرى، هي توفر وسيلة للحد من الضيق العقلي عن طريق تغيير تصورنا للمشكلة، دون فعل أي شيء في الواقع لحل المشكلة. إنها المكافئ العقلي للمهدئات”.لا أحد منا محصن من الوقوع في أسر نظريات المؤامرة، وخاصة في أوقات الأزمات والاستقطاب الحاد
ويمكن أن نضيف إلى الجملة الأخيرة أنها المكافئ أيضا للكسل العقلي. فالإنسان الذي يؤمن بنظرية المؤامرة، لا يحتاج إلى البحث أو التحليل أو الحصول على معلومات جديدة. إنه يكتفي، في مواجهة كل قضية، بالحديث عن وجود مؤامرة، أطرافها قد يكونون في حالة صراع فعلي على أرض الواقع، لكنهم بالنسبة له، إنما يقومون بمسرحية لا غير!
فداعش أو القاعدة يمكن أن تكون صناعة إيرانية أو أميركية، والنزاع الأميركي ـ الإيراني الإسرائيلي مجرد تمثيلية هدفها استنزاف دول الخليج، والعالم تديره مجموعة سرية من الأفراد أو المؤسسات القوية المتآمرة (غالبا يهودية أو ماسونية أو رأسمالية) التي ترسم لمختلف الدول أدوارها ووظائفها.. وهكذا.
والأمر الجوهري هنا هو ليس ما إذا كان ما يفكر فيه الناس أو يعتبرونه مؤامرة، هو كذلك أم لا، فذلك يمكن إخضاعه للنقاش العام أو إهماله كلية. المهم هو أن العقلية التي تؤمن بنظرية المؤامرة، تخلق نمطا من التفكير لدى الشخص، يجعله مع الوقت فريسة للأوهام والخيالات. كما يمكن أن يتطور إلى حالة انفصال كامل عن الواقع، وهي حالة مرضية بكل المقاييس. وتصبح المشكلة ملحة وعلى درجة من الخطورة عندما يصل الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة هؤلاء إلى مواقع السلطة والقرار.