عمران سلمان – الحرة – 17 أبريل 2020/
في الولايات المتحدة وخارجها، يتساءل الكثيرون عما إذا كان وباء كورونا، سوف يؤثر على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر المقبل، وعما إذا كانت الطريقة التي يدير بها الرئيس دونالد ترامب الأزمة قد تؤثر على حظوظه في إعادة الانتخاب.
عامل الوقت
الواقع أن التأثير الذي سوف تتركه هذه الأزمة على الانتخابات، يبدو الآن أمرا مفروغا منه. فالجدل بشأنها سوف يتواصل خلال هذا الصيف وصولا إلى يوم الانتخاب وحتى ما بعده. ما ليس معروفا بعد هو مدى انعكاس ذلك بصورة مباشرة على نتيجة الانتخابات. فالأمر كله قد يعتمد على الفترة الزمنية التي تستغرقها العودة إلى الحياة الطبيعية، وعمق الآثار الاقتصادية الناجمة عن الوباء، والطريقة التي يدير بها الرئيس ترامب هذه الأزمة والتعامل مع ذيولها.
رغبة ترامب في إعادة فتح البلاد بسرعة تصطدم برفض حكام الولايات
لكن كافة الاحتمالات تظل واردة، فإذا استمر الوضع الحالي حتى الصيف أو ما بعده، فمن المؤكد أن يكون لذلك تداعيات مباشرة على مواقف الناخبين.
وهذا هو السبب في السرعة التي يريد بها الرئيس ترامب إعادة فتح البلاد وضمان العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي ابتداء من شهر مايو المقبل. فهو يدرك أن عامل الوقت مهم وحاسم، وأنه كلما طالت الأزمة وتعمقت تأثيراتها، كلما أصبح وضعه أصعب من الناحية العملية.
ممانعة الولايات
لكن رغبة ترامب في إعادة فتح البلاد بسرعة تصطدم برفض حكام الولايات الذين يرون بأنه لا يمكن وضع تواريخ لذلك، وأن المسألة يجب أن تخضع لتقييم المختصين وأيضا إلى حسابات الأرقام. هذا الأمر لم يعجب الرئيس الذي سارع إلى الإعلان بأنه وحده من يملك الحق أو السلطة المطلقة في تقرير هذه المسألة. وهو ما دفع بحاكم ولاية نيويورك أندرو كومو إلى الرد عليه في مقابلة مع “سي إن إن” قائلا “إن حالة الطوارئ الوطنية لا تجعلك تصير ملكا”.
طبعا هذا النزاع من شأنه أن يقود إلى أزمة سياسية ودستورية، حيث أن الدستور الأميركي يعطي الولايات بعض الحقوق في هذا الجانب. كما أنه ليس معروفا بعد كيف سيطبق الرئيس قراره بصورة عملية في حال أصر حكام الولايات على موقفهم.
وكخطوة استباقية من جانبهم أعلن حكام سبع من ولايات الشمال الشرقي الأميركي تشكيل تحالف فيما بينهم لمحاربة الفيروس ودراسة الخطط والتوقيت لإعادة النشاط الاقتصادي. ونفس الخطوة كانت قد اتخذتها في وقت سابق ثلاث من ولايات الساحل الغربي.
صورة قاتمة
الأمر الآخر المهم هنا هو أن نقطة القوة الرئيسية في سجل ترامب كانت حتى الآن النجاحات التي حققها الاقتصاد الأميركي في الفترة الماضية، لا سيما خفض نسبة البطالة إلى أدنى مستوى.
وباء كورونا عكس هذه الصورة تماما. فتوقعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي تبدو قاتمة. ففي أحدث تحذير يطلقه الصندوق، توقع فيه أن ينكمش اقتصاد العالم بنسبة ثلاثة في المئة. وهذا الانكماش سوف يكون هو الأسوأ منذ الكساد الكبير في عام 1929. وللمفارقة فقد كان الصندوق حتى أشهر قليلة يتوقع أن يفوق النمو العالمي لعام 2020 العام الذي سبقه بنسبة 3.3 في المئة.
وللمقارنة أيضا فإنه خلال الركود الذي شهده العالم خلال عامي 2008 و2009، كان انكماش الاقتصاد العالمي يقدر بأقل من واحد في المئة. مما يعني أننا هذه المرة إزاء أزمة اقتصادية كبيرة وخطيرة.
الاقتصاد الذي كان هو القاطرة الرئيسية لإعادة انتخاب ترامب شبه المضمون، قد يكون هو العقبة الكأداء التي تقف في طريقه
أكثر من ذلك يتوقع الصندوق أن تتضاعف نسبة الانكماش في حالة انتشار موجات جديدة من فيروس كورونا في نهاية العام، ومعها فشل التوقعات بعودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته بحلول عام 2021.
وهناك من الخبراء الاقتصاديين من يجادل بأن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوباء لا يمكن أن يتم محوها بسرعة، خاصة إذا استمر القلق لدى الناس من الإصابة بالفيروس لفترة طويلة. فقد تطلب التعافي من آثار الكساد الكبير سنوات طويلة.
إذا فسد الملح
بعبارة أخرى فإنه وإن كان من المبكر الآن توقع نتيجة الانتخابات الرئاسية جراء وباء كورونا، فإن المؤشرات الأولية لا تسير في صالح ترامب أو على الأقل تعقّد من مهمته في إقناع الناخب الأميركي، وخاصة الجزء غير الحزبي منه أو المستقل، والذي هو عرضة للتذبذب، بالتصويت له مجددا.
هذا الجزء من الناخبين هو المهم وهو الذي يدور الصراع حوله، لأن الناخب الجمهوري، في قسمه الأكبر، سوف يصوت لترامب في جميع الأحوال، وكذلك الناخب الديمقراطي، في قسمه الأكبر، سوف يصوت لبايدن في جميع الأحوال. لكن إقناع الناخب المستقل، وخاصة في ظل الأزمات، كان على الدوام هو المهمة الأصعب بالنسبة لأي مرشح رئاسة أميركي.
والاقتصاد الذي كان هو القاطرة الرئيسية لإعادة انتخاب ترامب شبه المضمون، قد يكون هو العقبة الكأداء التي تقف في طريقه هذه المرة. أما التصريحات والإعلانات المتناقضة التي تصدر عن الرئيس، وأحيانا بشكل يومي، سواء في أزمة كورونا أو غيرها، فرغم كونها محرجة وبعضها ضار، فقد اعتاد عليها الجمهور الأميركي من ترامب، ومعظم الناس ينسونها في نهاية اليوم، مع زحمة المال والأعمال والانشغالات اليومية. لكن إذا فسد الملح فبماذا يملّح!