وباء كورونا من وجهة نظر روحية

عمران سلمان – الحرة – 1 مايو 2020/

في أحدث إطلالة له بالفيديو، تحدث المعلم الروحي إيكهارت تول ـ وهو مؤلف واحد من أكثر الكتب تأثيرا في عصرنا هذا “The Power of Now”، أو بالعربية “قوة اللحظة الراهنة” إضافة إلى كتابه الآخر “New Earth” أو “الأرض الجديدة”، ـ عن كيفية النظر إلى وباء كورونا الحالي من زاوية روحية، وتفسير الآثار المرتبة عليه، وما الذي يتعين على الإنسان أن يفعله في ظل هذا الوباء كي يحافظ على سلامة وعيه وصحته العقلية والجسدية.

فرصة للتطور

يقول إيكهارت تول إن وباء كورونا لا يختلف في جوهره عن باقي المحن أو التحديات الكبيرة التي واجهها الإنسان وواجهتها الكائنات الحية عموما منذ ظهورها على وجه الأرض. ويشير إلى أنها بمثابة فرصة توفرها الحياة من أجل دفع الوعي العام إلى الإمام، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. فالوعي البشري على سبيل المثال، بحاجة دائما إلى نوع من التحديات أو المحن التي تخرجه من منطقة الراحة التي يوجد فيها، من أجل أن يتطور ويتقدم.

إن نسبة كبيرة من الشعور بالتعاسة والقلق ليست نابعة من الحالة التي يواجهها الإنسان في اللحظة الراهنة، سواء تعلق الأمر بوباء كورونا أو غيره، وإنما من التفكير والخوف من المستقبل

ويضر ب أمثلة على ذلك. فانتقال الكائنات البحرية من الماء إلى اليابسة، كان نوعا من التحدي أو الضغط الهائل الذي واجه هذه الكائنات، بعد تهدد وجودها نفسه، لكنه كان تحديا ضروريا من أجل أن تبزغ أشكالا أخرى من الحياة، وهو ما مهد لظهور الإنسان نفسه في وقت لاحق. ينطبق هذا الأمر أيضا على الطيور. فما جعلها ترتفع من على سطح الأرض وتقاوم الجاذبية، كان هو تحدي البقاء وضرورة إجراء تحول هائل على جنسها. والمؤكد أن هذا التحول كان مؤلما لها.

وحتى الإنسان نفسه في حال رغب في تنمية جسمه، فإنه يذهب إلى النوادي الرياضية. وهو بلجوئه إلى التمارين، إنما يجعل في الواقع الحياة صعبة بالنسبة لجسمه وعضلاته، وبذلك فهو يجبرها على الحركة والنشاط، ما يجعلها تطلب الطاقة وتستهلكها، ثم مع الوقت يحدث التحول في جسم الإنسان.

أشكال أخرى للحياة 

بالطبع في هذه الأمثلة، فإن المحن لا تؤدي فقط إلى التحول والصيرورة، إنها قد تقتل الكائن أحيانا. وبعض الأنواع وكذلك أعدادا كبيرة من الكائنات تموت كل يوم خلال هذا التحول. فاحتمالات البقاء بالنسبة للعديد من الكائنات الحية والنباتات، ولأسباب مختلفة، تبقى ضئيلة. لكن الحياة تظل مستمرة، وتأخذ أشكالا أخرى مختلفة.

ففي كل مرة نأكل فيها فاكهة مثلا، فنحن في الواقع ندمر تلك الفاكهة ونفكك جزيئاتها، كي نستطيع هضمها. لكن حدوث ذلك يعتبر ضروريا من وجهة نظر التطور لبروز أشكال أخرى من الحياة، مثل الخلايا التي في أجسامنا والتي يتوقف بقاءها ونموها على المواد الغذائية، وهكذا.

إن الحياة لا تعرف الرتابة، فعاجلا أو آجلا سوف يحدث شيء ما، يخرج الإنسان من حالة الدعة والركود، إلى حالة الحركة والتغيير.

والإنسان يمكنه أن يفسر ذلك على أنه سوء حظ أو تآمر من جانب هؤلاء أو أولئك لتخريب خططه أو النيل منه أو إقلاق راحته، أو أن هناك شيء خاطئ وما كان يجب أن يحدث، ويمكنه أن يعتبر ذلك فرصة جلبتها الحياة له كي تدفع وعيه، ونفسه وعقله، من أجل الارتقاء إلى مرحلة أعلى.

التفكير في المستقبل

إن نسبة كبيرة من الشعور بالتعاسة والقلق ليست نابعة من الحالة التي يواجهها الإنسان في اللحظة الراهنة، سواء تعلق الأمر بوباء كورونا أو غيره، وإنما من التفكير والخوف من المستقبل. ففي الحاضر يمكن للإنسان أن يجد حلا لمعظم المشاكل، لكن كيف يستطيع أن يجد حلا لمشكلة لم تقع بعد؟

إن العقل يقوم بوضع سيناريوهات لما يمكن أن يحدث في المستقبل، سواء تعلق الأمر بالإنسان نفسه أو بأحد اقربائه أو بمن يعرفهم. وبما أننا لا نستطيع أن نسيطر بصورة تامة أو أكيدة على ما يمكن أن يحدث في المستقبل، ولا نستطيع أن نفعل شيئا إزاء ذلك. فهذا يسبب الكثير من المعاناة غير الضرورية للإنسان. 

إن الحياة لا تعرف الرتابة، فعاجلا أو آجلا سوف يحدث شيء ما، يخرج الإنسان من حالة الدعة والركود، إلى حالة الحركة والتغيير

والحل يكمن في البقاء في اللحظة الراهنة، ومراقبة الطريقة التي يتصرف بها العقل، ونوعية الأفكار والتصورات الذهنية التي يشكلها لنفسه عن نفسه. هذه المراقبة هي بداية فك الارتباط بين عملية التفكير وبين جوهر الإنسان، مما ينقله مباشرة إلى الحاضر. والحاضر هو الفضاء الذي تتكشف فيه حياة الإنسان، والواقع أنه لا توجد حياة خارج الحاضر أو مفصولة عنه. هذا الإدراك لوحده من شأنه أن يضع حدا للخوف والمعاناة أو يقلل من تأثيرهما.

لا يوجد موت

المفارقة هي أن حالة القلق والخوف مما يمكن أن يحدث في المستقبل، قد تجعل الإنسان يقع فيما يخافه، لأن القلق يقلل المناعة ويجعل الجسم ضعيفا، مما يجعله أكثر عرضة للإصابة بالمرض. فالعقل القلق يرسل إشارة خاطئة إلى الجسم، كما لو أنه مريض فعلا، وبالتالي يتصرف على هذا الأساس. الجسم لا يستطيع أن يعرف الفرق إذا كان ما يحدث هو حالة مرضية فعلية أم مجرد تصور ذهني أو خوف من المرض. مما يجعل الجسم يستنزف طاقته من دون داع.

والحل، كما يرى إيكهارت، أن نتعامل مع المرض كما هو من دون خلق تصورات ذهنية أو دراما حوله. أي من دون الانزلاق إلى آلية التفكير العقيمة نفسها. فاذا حدث الشفاء فهو أمر جيد وإذا لم يحدث فهو أمر جيد أيضا. لكن في حالة حدوثه سوف يكون أسرع.

والتعامل مع المرض يعني القبول أولا، ليس القبول بالمرض نفسه، وإنما بكونه يحدث الآن. هذا القبول من شأنه أن يفتح الباب لبروز نوع جديد من الوعي بداخلنا، ندرك معه من نحن حقيقة، ونعرف أنه لا يوجد موت في الحقيقة، وأن ما يجري هو مجرد تغيير للحياة من شكل إلى آخر.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *