بقلم/ عمران سلمان – 8 يوليو 2024/
مشكلة الرئيس الديمقراطي جوزيف (جو) بايدن لم تبدأ مع المناظرة التي خاضها مع ترامب في ولاية جورجيا (27 يونيو 2024) لكن هذه المناظرة قطعت الشك باليقين بالنسبة لمن كان يظن أن السن المتقدمة لبايدن وحالته الذهنية لن يكون لها تأثير حاسم في تقرير مصير الانتخابات الرئاسية القادمة.
بعد المناظرة بات واضحا أن بايدن لن يتمكن من الصمود حتى تلك الانتخابات، وأن الوقت لا يلعب في صالحه، بل على العكس من ذلك تماما فإن الهفوات والزلات ومظاهر الشيخوخة سوف تطغى على المشهد السياسي الأميركي من الآن وحتى الانتخابات، مع ما سوف يتخللها من مناظرات وحملات انتخابية محمومة وقاسية، وهي تتطلب ليس فقط أموالا ونشاطا غير عادي من المرشحين ولكن أيضا قدرات ذهنية وجسدية هائلة.
الرئيس بايدن في عمره الحالي وقدراته الصحية واضح أنه لن يتمكن من مجاراة كل ذلك.
خصمه ترامب لا يصغره سوى بأربعة أعوام فقط، ولكنه يبدو أكثر نشاطا وحيوية وهذا في حد ذاته يجعله متقدما. وإن لم يصوت له الأميركي العادي والمستقل فإنه بالتأكيد لن يصوت لجو بايدن.
مع ذلك يبدو أن بايدن في مزاج جيد وهو حاول التقليل من أدائه السيئ في المناظرة وإيجاد الأعذار والمبررات لما حدث، وفي المقابل أعلن إصراره على خوض الانتخابات ورفض جميع الدعوات التي طالبته بالتنحي وتلك التي طالبته بالنظر في هذه الإمكانية في الوقت الذي يناسبه.
هذا يعني أن الحزب الديمقراطي اليوم هو في ورطة حقيقية. فالعديد من زعماءه يشعرون بالضيق لأنهم يدركون أن بايدن قد لا يتمكن من الفوز في الانتخابات، ومن جهة أخرى فهم لا يستطيعون إجباره على التنحي، ليس فقط بسبب حساسية الأمر، ولكن حتى من الناحية العملية، يبدو ذلك صعبا ومعقدا. فالرئيس بايدن فاز في الانتخابات التمهيدية وحصل على تأييد مندوبي الحزب للمؤتمر العام، وما لم يتنازل من تلقاء نفسه وبالتالي يسمح لهيئات الحزب بإيجاد مخرج مناسب، فإن أي محاولة لإجباره على التنازل سوف تخلق مشكلة كبيرة داخل الحزب الديمقراطي وربما تتسبب في انقسامه وإضعافه.
الأمر الآخر الذي يشغل بال مسؤولي الحزب الديمقراطي هو أنه حتى في حال مضت الأمور في الطريق الصحيح وأعلن بايدن عزمه الانسحاب من السباق الانتخابي، فإن اختيار مرشح آخر يستطيع التغلب على ترامب يبدو صعبا.
فمعظم الأسماء المطروحة ليست معروفة بما يكفي للناخب الأميركي العادي، ومن الصعب خلال أقل من أربعة أشهر أن يتم الترويج للمرشح البديل المتفق عليه.
بعبارة أخرى فإن السيناريوهات المطروحة اليوم أمام الديمقراطيين ليس بينها ما هو جيد، ولكن هي تتراوح بين السيء والأقل سوءا.
مع الفارق أن تنحي بايدن اليوم ربما يخلق ديناميكيات جديدة تسمح للحزب الديمقراطي بالتركيز والالتفاف حول الشخصية الجديدة التي ستخوض الانتخابات ضد ترامب، في حين أن بقاء بايدن في السباق يبقي الجدل والانقسام بشأن وضعه وصحته، وهو أمر لن يصب في صالح الديمقراطيين.
هناك أيضا من يعول على أن الموقف السلبي من ترامب لدى العديد من الأميركيين ولا سيما المستقلين منهم لا يزال قائما وهو ربما يساعد بايدن للمرة الثانية في هزيمة ترامب، حتى وهو في حالته هذه. كما أن هناك من يراهن على حصول حدث ما يمنع ترامب من الترشح للانتخابات.
ولا شك أن أمورا كثيرة ربما تحصل من الآن وحتى موعد الانتخابات في نوفمبر، بما في ذلك تغير المزاج الشعبي، لكن هذه الأمور تظل نسب احتمالاتها قليلة عموما وهي ليست معطيات قائمة بذاتها ولا تصلح من ثم للقياس والبناء عليها سياسيا.
الأمر المعروف والمرجح هو أن السن المتقدمة لبايدن وحالته الصحية لا تساعده في قيادة البلاد وبالتأكيد هي لن تساعده في الفوز بأربع سنوات أخرى. وهذا أمر لم يكن خافيا حتى قبل المناظرة التلفزيونية، والتي لم تكن نتيجتها مفاجئة إلا من حيث المدى الذي وصلت إليه حالة الرئيس.