بقلم / عمران سلمان – 10 سبتمبر 2023 /
يبدو أن السعودية مصممة على عدم ترك الفلسطينيين وراءها وأن أي اتفاق سلام قد توقعه مع اسرائيل لا يجب أن يكون على حسابهم.
ولذلك نشطت السياسة السعودية تجاه الفلسطينيين مؤخرا. ابتداء من تعيين سفير سعودي غير مقيم لدى السلطة الفلسطينية إلى الإعلان عن عودة الدعم المالي السعودي للسلطة.
وهذا كله مرفقا بتصريحات دبلوماسية سعودية واضحة بانها لن توافق على ما هو أقل من إقامة دولة مستقلة الى جانب إسرائيل كحل للقضية الفلسطينية.
ويبدو أن السلطة الفلسطينية شعرت هي الأخرى بانه يتعين عليها مد الجسور والتنسيق مع السعوديين والعمل معهم ضمن اي اتفاق سلام مع اسرائيل قد يتم التوصل اليه برعاية اميركية. ولذلك أرسلت وفدا إلى الرياض (5 سبتمبر 2023) لبحث مطالب الفلسطينيين.
وبحسب ما يستشف من التحركات الأخيرة فإن رسالة السعودية للفلسطينيين تركزت على دعوة السلطة لاستغلال هذه الفرصة المتاحة عبر إثبات قدرتها على السيطرة على الوضع الداخلي وخاصة إنهاء حالة الفلتان الأمني وانتشار الميليشيات المسلحة التابعة للفصائل الفلسطينية (وخاصة حماس والجهاد) والتي تنشط أو بالأحرى تسيطر على مدن أو أجزاء من مدن في الضفة الغربية، ومنها تشن عمليات مسلحة ضد اسرائيل.
والمنطق السعودي في ذلك بسيط ومباشر. فلكي تكتسب السلطة الفلسطينية الثقة والمصداقية محليا وإقليميا ودوليا ويمكن ائتمانها على إدارة دولة أيا كان حجمها أو طبيعتها لابد أن تثبت أولا قدرتها على السيطرة الأمنية، لأنه من دون هذه السيطرة لن توافق إسرائيل ولن تدعم أي دولة أخرى حصول الفلسطينيين على دولة.
وهذا هو الذي يفسر التحرك الأخير للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في عدد من المدن الفلسطينية والهادف إلى إثبات قدرتها على إدارة هذه المناطق والسيطرة على زمام الأمور فيها.
لكن هل السلطة الفلسطينية قادرة بالفعل (أو جادة أو راغبة بصورة حقيقية) على القيام بذلك؟
هذا السؤال ليس جديدا وهذه المسألة لا تطرح لأول مرة.
فهذا في الحقيقة هو جوهر اتفاق اوسلو، والذي كان بمثابة اختبار للفلسطينيين، أولا- لجديتهم في قبول السلام وثانيا، جديتهم في إنشاء دولة ومؤسسات حكم حقيقية وديمقراطية في المناطق التي آلت إليهم السيطرة فيها. وكان نجاحهم في مناطق (أ) سوف يقود إلى انتقال مناطق (ب) بأكملها وكذلك (ج) إليهم. وكانت المفاوضات على الوضع النهائي ستفضي لا محالة الى إنشاء دولة فلسطينية.
لكن للأسف، لم تفشل السلطة الفلسطينية في اختبار الدولة فحسب، ولكنها فشلت في ادارة المنطقة (أ) وفشلت في إنشاء أي مؤسسات حقيقية، ولم تتخل عن العنف والتحريض. وفي حان راحت حركة حماس والجهاد والشعبية وغيرها تمطر المدن الإسرائيلية بالهجمات الانتحارية والعمليات المسلحة، لم تتمكن حركة فتح نفسها من مقاومة إغراء الانخراط في أعمال العنف وشن الهجمات المسلحة وهكذا انشأت جناحها المسلح والذي أسمته كتائب شهداء الأقصى (عام 2000). وقد اتضح أن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لم يحسم أمره باتجاه السلام ورفض جميع المبادرات التي قدمت له، بما فيها تلك الصادرة من الولايات المتحدة، وكان منشغلا بتهيئة المناطق الفلسطينية لمواصلة النزاع المسلح مع الإسرائيليين أطول فترة ممكنة.
بالطبع كل ذلك كان يصب في مصلحة إسرائيل التي تمكنت بسهولة من محاصرة السلطة وتحجيمها وإقناع العالم بعدم جدية الفلسطينيين وعدم إيمانهم بالسلام وعدم قدرتهم على بناء مؤسسات حقيقية، وبالتالي خفت الضغوط التي كانت تمارس عليها للقبول بحل الدولتين.
حاليا توجد فرصة أمام السلطة الفلسطينية كي تنجح فيما فشلت فيه في السابق، وهو وقف الهجمات على إسرائيل والقضاء على التنظيمات المسلحة والتركيز على بناء الدولة والالتزام بالسلام قولا وفعلا، فإن حدث ذلك سوف تبصر الدولة الفلسطينية النور لا محالة، ولن تكون السعودية الدولة الوحيدة التي تدعمها، ولكن جميع دول العالم.