كلما فتح الإسلاميون بابا أغلقته فرنسا

بقلم / عمران سلمان – 29 أغسطس 2023/

تبدو فرنسا في سباق لا ينتهي مع الإسلاميين. فهي من جهة تغلق كل باب يفتحه هؤلاء لمحاربة العلمانية والالتفاف على قوانين الجمهورية، وهم من جانبهم يبتكرون كل يوم حيلة جديدة لتمرير اجندتهم بطرق وأساليب ماكرة وغير تقليدية.

آخر قضية في هذا الشأن هي العباءة أو”العباية” التي أخذت تنتشر بين بعض التلميذات المسلمات في المدارس الفرنسية، وبالطبع بتشجيع وربما إجبار من أولياء الأمور. 

فقد أعلن وزير التربية الوطنية والشباب الفرنسي غابريال أتال (27 أغسطس 2023)، عن منع ارتداء “العباءة” في المدارس الفرنسية، وقال “إن ارتداء العباءة في المدرسة لن يكون ممكنا بعد الآن” وشدد على سعيه لوضع “قواعد واضحة على المستوى الوطني” لاتباعها من قبل مديري المدارس قبل بدء العام الدراسي الجديد في جميع أنحاء فرنسا اعتبارا من 4 سبتمبر الجاري.

الوزير الفرنسي شرح مبررات قراره بالقول “مدارسنا أمام اختبار. في الأشهر الأخيرة، تزايدت الهجمات على العلمانية بشكل كبير، ولا سيما عبر ارتداء الملابس الدينية مثل العباءات أو القمصان الطويلة التي ظهرت واستمرت في بعض الأحيان في بعض المؤسسات”.

وأضاف “ارتداء العباية مظهر ديني يرمي إلى اختبار مدى مقاومة الجمهورية على صعيد ما يجب أن تشكله المدرسة من صرح علماني. بينما لدى دخولكم صفا مدرسيا يجب ألا تكونوا قادرين على معرفة ديانة التلاميذ بمجرد النظر إليهم”.

بدوره، قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران لقناة “بي إف إم تي في” التلفزيونية: “إنه هجوم سياسي، إنها إشارة سياسية”، مستنكرا ما وصفه بأنه شكل من أشكال “التبشير” من خلال ارتداء العباءة.

وربما يتساءل البعض ولماذا أصلا تحضر العباية في المدارس الفرنسية وهي ليست زيا منتشرا حتى في الدول العربية أو الإسلامية نفسها؟

والإجابة هي أن العباية هي آخر ما تفتقت عنه عقلية الاسلاميين للالتفاف على منع الحجاب في المدارس. فالعباية هنا يمكن ان تقوم مقام الحجاب او تلعب دورا مشابها الى حد ما للحجاب، ولكن من دون اثارة الانتباه الى البعد الديني أو الربط بينها وبين الأيديولوجية الإسلامية.

ولكن إذا كان من الصعب إخفاء الحجاب فانه من الأصعب التخفي وراء العباية وهي الأكثر مباشرة وفجاجة.

وإذا كانت القوانين الفرنسية لا تقبل الحجاب في المؤسسات الحكومية أو الرسمية فإنها من باب أولى ألا تقبل العباية لأنها هي الأخرى تعبير عن الاختلاف والتمايز وهي تدل على الأصول والمنشأ، وهي الأمور التي تريد المؤسسة الفرنسية أن تكون محايدة فيها عبر إبعادها عن المجال العام، ولا سيما في المدرسة التي يفترض أن تظل فضاء لا مكان فيه للتمييز أو التفرقة بين التلاميذ سواء على أساس الدين، أو العرق، أو الجنس، أو اللغة.. الخ. 

يمكن بالطبع الاتفاق أو الاختلاف مع وجهة النظر الفرنسية فيما يتعلق بمنع الحجاب بشكل عام من عدمه، لكن من الصعب مع ذلك الاختلاف مع السلطات الفرنسية حينما يتعلق الأمر بطفلات صغيرات لا حول لهن ولا قوة يقوم الكبار بتحجيبهن أو برمجتهن بهوية لم يخترنها.

فهنا المسألة لا علاقة لها بالحرية الدينية، أو حرية الاعتقاد، أو الهوية، أو الانتماء وما شابه. وإنما هي استغلال الأهالي لسلطتهم على أطفالهم وإقحامهم في معارك وصراعات لا علاقة لهم بها.

وما تقوم به الحكومة الفرنسية هو قبل كل شيء حماية لهؤلاء الأطفال وحفظا لحقهم في الاختيار والاعتقاد حتى يبلغوا السن القانونية، على الأقل ما دام أنهم يتلقون تعليمهم في مؤسسات الدولة.  

لكن بالطبع يصعب على الحكومة أو أي سلطة أخرى أن تمنع كليا ما يتعرض له العديد من الأطفال المسلمين من أدلجة دينية وعنف لفظي وجسدي ضمن إطار الثقافة العربية والإسلامية السائدة. ولذلك فإن معركة فرنسا هي في الحقيقة أبعد عن أن تحسم أو يتم تحقيق انتصار ذي مغزى فيها.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *