عمران سلمان – الحرة – 02 أكتوبر 2020/
تحظى الانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية بمتابعة حثيثة نادرة من جانب مراكز المتابعة المختصة في العديد من دول العالم، لأسباب ليست خافية على أحد. فنحن هنا إزاء مقاربتين مختلفتين للتعاطي الأميركي مع الشؤون الدولية، كما التعاطي مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
درءا للمفاجئات
ويعتبر الشرق الأوسط من الأقاليم التي تتابع هذه الانتخابات عن كثب مشوب بالقلق. وقد قيل بأن توقيت التوقيع على اتفاقات السلام بين الإمارات والبحرين وإسرائيل قد صمم بعناية قد يعطي دفعة للحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب فيما يتعلق بتحقيق مكاسب على صعيد السياسة الخارجية. وبصرف النظر عما إذا كان ذلك صحيحا أم لا، فمن المؤكد أن عددا من العواصم العربية اكتشفت في السنوات الأخيرة فضيلة الاستثمار (وإن بحذر) في السياسة الداخلية الأميركية، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
أكثر من ذلك قيل بأن خطوة إقامة العلاقات بين الدول الخليجية وإسرائيل، وفي صيغة أخرى التحالف مع إسرائيل، هي خطوة استباقية لما قد ينجم عنه فوز الحزب الديمقراطي بالرئاسة من تغير في سلم الأولويات الأميركية في المنطقة، وبالتحديد العلاقة مع إيران وربما تركيا أيضا. بمعنى أن هذه الدول لا تريد أن تترك نفسها فريسة للمفاجئات التي قد يجلبها فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن. أما في حالة فوز ترامب بولاية ثانية فهي تستطيع أن تبني على ما حققته.
الصورة الأكبر
لكن الأمر الذي يركز عليه المحللون الاستراتيجيون بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، هو ليس المقاربات التكتيكية التي قد تلجأ إليها هذه الإدارة الأميركية أو تلك، وإنما في الصورة الأكبر لما تريد أن تراه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وكيف تتصور نفسها ودورها ومصالحها في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
هذه الصورة ليست معطى جاهزا أو منجزا بطبيعة الحال، ولكنها آخذة بالتطور والتبلور خلال العقود القليلة الماضية. ثمة محاولات واستفزازات لهز هذه الصورة، من جانب هذا الطرف الإقليمي أو ذاك، لكنها تبدو عاجزة حتى الآن عن منعها من التبلور أو تحديد مسارها، والاتجاه العام لها هو أن هذه المنطقة بدأت تفقد أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
ماذا يعني ذلك؟
هذا الاتجاه لم يبدأ الآن كما هو معروف ولكن منذ سنوات عدة. وهو لم يعد محل جدل أو خلاف بين المحللين وصناع السياسة، ولكن الخلاف هو حول نوعية الاستخلاصات التي تتوصل لها كل إدارة أميركية بشأن ماذا يعني بالتحديد: خفض أو إنهاء الانخراط الأميركي في شؤون الشرق الأوسط؟
هل يعني مثلا أن الولايات المتحدة سوف تخرج من المنطقة كليا؟ هل يعني أنها سوف تستبدل الوجود العسكري أو التدخل العسكري بأشكال مختلفة تجمع ما بين النشاط الدبلوماسي والسياسي والمساعدات؟ هل هو يعني الاعتماد على التحالفات الإقليمية والدفع بترتيبات خاصة تشمل تموضعات للقوات الأميركية في قواعد محددة في المنطقة؟
هل يعني مواصلة الاعتماد على أسلوب العقوبات، مع التلويح بالقوة كلما كان ذلك ضروريا، لكن من دون أي التزام على المدى الطويل؟
اختلافات طفيفة
في هذا الصدد يمكننا أن نميز بين السياستين الخاصتين بترامب وبايدن.
فرغم أن كلاهما لا يختلفان بشأن الصورة الكبيرة، والمتمثلة في دعم إسرائيل، و”وضع حد للحروب التي لا نهاية لها” وسحب معظم القوات الأميركية من المنطقة، والاحتفاظ ببعضها لمواجهة تنظيمي “القاعدة” و”داعش”. بل هناك مؤشرات على أن بايدن (في حال فوزه) ربما يحافظ على العديد من السياسات التي اتخذها ترامب مع بعض التغييرات الطفيفة، حيث تعهد بالإبقاء على السفارة الأميركية في القدس، وكذلك تشجيع المزيد من الدول العربية على إقامة علاقات مع إسرائيل.
إلا أن ثمة بالطبع تفاصيل تستحق الذكر هنا. على سبيل المثال، تعهد بايدن (الذي يفضل تبني أسلوب الدبلوماسية) في الجزء الخاص بالسياسة الخارجية من برنامجه الانتخابي، بإنهاء الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وكذلك وقف صادرات السلاح إليها وربما اتخاذ موقف متشدد مع المملكة. كذلك تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، مع التعهد بممارسة الضغط على طهران وربما صياغة اتفاق إضافي يشمل النشاطات الإيرانية غير النووية. أما بالنسبة لتركيا فتصريحات بايدن تشير إلى عزمه اتباع نهج متشدد تجاه حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان.
المحاور والتحالفات
لكن هذه التمايزات والاختلافات على أهميتها تبقى عرضة للانزياح بسبب الشد والجذب والمفاوضات والحسابات السياسية المختلفة، فضلا عن المصالح الأميركية وتطور الوضع على الأرض. وهي لا تغير من الصورة الأكبر: أن الولايات المتحدة آخذة في التخفف من شؤون الشرق الأوسط، وعاجلا أو آجلا سوف يتعين على دول المنطقة أن تتعلم كيفية حل مشاكلها بنفسها، أو تغرق في المزيد من الفوضى والدمار. ربما من هذا السياق نستطيع أن نفهم الاتجاه المتزايد في العالم العربي لإقامة علاقات مع إسرائيل.
طبعا لو كان ثمة حد أدنى من الثقة وتوفر أطر سياسية فعالة بين دول المنطقة، لرأينا حلولا واتجاهات أخرى أيضا، لكن للأسف فإن السائد بين هذه الدول هو منطق الاستحواذ والغلبة والتآمر السياسي والإعلامي والقضم والتدخلات. ولأن الأمر هو كذلك يصبح اللجوء إلى سياسة المحاور والتحالفات هو الوصفة المفضلة، وهو أمر يبدو أننا سنعيش معه سنوات طويلة قادمة.