بقلم/ عمران سلمان – 2 أغسطس 2023/
إذا كان من غير المتيسر الجزم بما إذا كان تنظيم داعش يمثل الإسلام أم لا، فالواقع أنه لا يوجد خلاف بشأن الهوية الإسلامية للتنظيم. فداعش جماعة إسلامية وأفرادها مسلمون ينطقون بالشهادتين، وأهداف الجماعة هي أهداف إسلامية، وهي خرجت من البيئة الإسلامية وتنشط في هذه البيئة وتتخذ منها ساحة وملاذا.
وبهذا المعنى إذا كان يمكن القبول بأن “فهم” داعش وإن كان لا يمثل التيار الرئيسي في الإسلام أو “فهم” المجتمعات الإسلامية عامة، فإن هذا الفهم لم يأت من فراغ، وأنه يستند إلى أدبيات ومادة نظرية وفقهية موجودة في التراث الإسلامي. وهو بذلك جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي.
والواقع أن المشكلة مع الجماعات المتطرفة في المجتمعات الإسلامية لا تنبع من محاولات إثبات انتمائها للإسلام من عدمه، ولكن من محاولات البعض نفي هذا الانتماء وترحيل القضية برمتها إلى عوامل خارجية ودول وأجهزة مخابرات أجنبية وما شابه ذلك. ولا تختلف هذه العملية عن تصرف النعامة التي تدفن رأسها في التراب كي لا ترى الخطر المحدق بها، على أمل أن يذهب ذلك الخطر من تلقاء نفسه.
لكن الخطر لا يذهب، والجماعات الإسلامية المتطرفة لا تختفي وفكرها الإرهابي يستوطن أكثر فأكثر في المنطقة وينتشر بين الناس على هيئة سلوكيات وآراء، ومواقف دينية، وسياسية، واجتماعية.
إن الأجدى لمن يرى أن داعش لا يمثل الإسلام أن يتصدى لفكر التنظيم ويقر بأن الآراء والمواقف الدينية التي يستند عليها لم تعد صالحة لزمننا هذا وأنها تتناقض مع مصالح المسلمين وغير المسلمين في الوقت الراهن.
ما هي هذه الآراء والمواقف؟
ثمة الكثير من هذه الآراء في الواقع، وخاصة في تعريف المؤمن والمسلم وعلاقته مع غيره من المسلمين وكذلك في تعريف غير المسلم وتصنيفه ما بين كتابي، وكافر، ومشرك، وملحد.. الخ، وبالتالي الطريقة الصحيحة دينا للتعامل مع كل منهم. وتشمل أيضا التعامل مع البلدان والحكومات والأرض وطرق جمع الأموال والتجنيد وما شابه.
وتشمل مفاهيم الجهاد والغزو وما ينتج عنهما من إماء وعبيد وفرض الجزية والعقوبات البدنية (الحدود) على المخالفين.
وكان شعار التنظيم “خلافة على منهاج النبوة”، وهو بهذا المعنى يريد أن يربط ما يقوم به من سياسات وممارسات بما أوردته كتب السيرة والأحاديث عن فترة محمد وصحابته.
لقد ارتكب تنظيم داعش جرائم مروعة بحق الأقليات الأخرى في العراق وسورية، وخاصة ضد غير المسلمين مثل الأيزيديين والمسيحيين. وبالنسبة للأيزيديين فقد أحيا داعش السنن والممارسات القديمة في استعباد الشعوب التي لا تنتمي إلى أحد الأديان الإبراهيمية، بما في ذلك قتل الرجال وسبي النساء واستبعادهن وعرضهن في سوق النخاسة.
كما قام التنظيم بقتل وترهيب أبناء الطوائف الأخرى من المسلمين مثل الشيعة وكذلك من يعارضون أفكاره وسياساته من أبناء السنة أنفسهم. ولا سيما أبناء العشائر والقبائل الذين لم يشاطروه عقيدته أو يقبلوا بممارساته الإجرامية.
ولم يتم ذلك من دون فتاوى وتخريجات فقهية. بل الواقع أن هناك الكثير من هذه الفتاوى والتخريجات، ويعتبر الإرث الذي تركه ابن تيمية في هذا الشأن كافيا لوحده ويزيد.
وقسّم تنظيم داعش العالم، كما كان يفعل بعض المسلمين الأوائل إلى دار الحرب ودار الإسلام، ولم يتوان عن إرسال جنوده وتنظيماته إلى العديد من البلدان التي استطاع أن يصل إليها بغية محاربتها والسيطرة عليها إن أمكن.
بعبارة أخرى، لا يمكن الحديث عن عدم انتماء تنظيم داعش للإسلام في ظل هذا الاستخدام الكثيف من جانبه للتراث الإسلامي وللفقه والأحاديث واتقانه للممارسات التي تحفل بها كتب التاريخ الإسلامي.
والقول بأن داعش صناعة خارجية أو أجنبية ينسف ذلك التراث نفسه ويكذب ذلك التاريخ. والحقيقة أنه لا يمكن الإمساك بالمسألتين في الوقت نفسه، فإما هذه وإما تلك.