بقلم/ عمران سلمان – 9 يوليو 2023/
تسابق الحكومة الاسرائيلية الزمن من أجل انقاذ السلطة الفلسطينية التي دخلت فيما يبدو مرحلة الاحتضار، بينما تواصل حركة حماس وغيرها من الفصائل المسلحة استعداداتها العسكرية والتنظيمية واستكمال البنية التحتية لمعركة السيطرة على مدن الضفة الغربية بعد انهيار أجهزة السلطة.
ومن بين الإشارات المقلقة في هذا الصدد قيام أهالي مخيم جنين بطرد مسؤولي السلطة الذين حضروا للمشاركة في تشييع جثامين المسلحين الفلسطينيين الذين قتلوا في العملية التي شنها الجيش الاسرائيلي. ولم يجد كل من عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول وعزام الأحمد بالإضافة لقيادات من السلطة مفرا من الانسحاب نهائيا من موقع الجنازة.
كما سار شبان صوب مبنى الحكومة في جنين وصرخوا “خونة وعملاء”.
ولم يسجل أي تدخل أو حضور لرجال الأمن الفلسطينيين أو أي مسؤول محلي في فتح أو السلطة، ما أعطى الانطباع بأن من بات يسيطر فعليا على جنين ومخيمها هي في الواقع حركة حماس والفصائل المسلحة الأخرى المتحالفة معها.
أقول إن هذا المشهد الذي يحمل معه ذكريات تصفية حركة حماس لوجود السلطة الفلسطينية في قطاع غزة عام 2007 دق ناقوس الخطر في إسرائيل مما دفع حكومتها على وجه السرعة لدراسة تقديم جرعة إنعاش للسلطة ومنع انهيارها.
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية فقد بحث المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنية في الحكومة الإسرائيلية، يوم الاحد (8 يوليو) منح تسهيلات وامتيازات اقتصادية للسلطة الفلسطينية، من بينها إقامة منطقة صناعية للفلسطينيين في ترقوميا غرب الخليل. وكذلك مناقشة تطوير حقل الغاز “مارين” المتواجد قبالة شواطئ غزة، ومنح السلطة الفلسطينية امتيازات اقتصادية، أصغر حجماً، من قبيل زيادة أقساط سداد الديون، وزيادة ساعات عمل معبر الكرامة، وإصدار جوازات سفر “بيومترية”.
كما بحثت الجلسة أيضاً بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، إعادة تصاريح الـVIP لكبار المسؤولين والشخصيات في السلطة الفلسطينية، التي كانت قد سُحبت في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي.
ما حدث في جنين لم يتردد صداه فقط في إسرائيل وإنما كان أقوى في رام الله نفسها، حيث وجه رئيس السلطة الفلسطينية أجهزة الأمن للعودة إلى حفظ النظام في جنين، بما في ذلك إبعاد المسلحين وإعادة إعمار المدينة بأموال التبرعات التي قدمتها الجزائر والإمارات، وهناك أنباء عن ضغوط يمارسها بعض السياسيين في فتح والسلطة على رئيسها للإسراع في تفكيك البنية التحتية التي بنتها حماس في المدينة.
وليس معروفا بعد ما إذا كانت الإجراءات الإسرائيلية قادرة بالفعل على وقف انهيار السلطة الفلسطينية، أم ربما تقود إلى تسريع هذا الانهيار بالنظر إلى أنه يرسخ فكرة الفلسطينيين العاديين عن سلطتهم بأنها ليست أكثر من شرطي حراسة لإسرائيل، وأن ما تقدمه الحكومة الإسرائيلية من مساعدات للسلطة ليس سوى رشى مقابل الخدمات الأمنية التي تقوم بها هذه الأخيرة.
كذلك ليس معروفا بعد ما إذا كانت أجهزة الأمن الفلسطينية سوف تتمكن من استعادة زمام المبادرة من أيدي المسلحين الفلسطينيين ومن أيدي حماس والفصائل الأخرى، التي استثمرت الكثير من المال والجهد لبناء قاعدة عمليات رئيسية في شمال الضفة الغربية وخاصة جنين ومخيمها، وذلك تحسبا للسيطرة على الضفة في المرحلة التي تلي رحيل رئيس السلطة محمود عباس، أو في حال نشوب صراع على الحكم داخل حركة فتح، حيث يسهل الطعن في شرعية أي فصيل فتحاوي يسعى لاستلام زمام الأمور.
ولن يكون من السهل على أجهزة الأمن إزاحة الفصائل المسلحة أو مصادرة أسلحتها أو القضاء على مسلحيها، خاصة أن الاستراتيجية الرئيسية الجديدة لهذه الفصائل الآن هي استنساخ تجربة غزة في الضفة الغربية، بما في ذلك إنشاء الكتائب المسلحة وبناء ورش ومعامل تصنيع العبوات والصواريخ وتخزينها.
ولم يكن من باب الصدفة أن يركز الداعم الأول والممول الأكبر لهذه الفصائل المرشد الإيراني علي خامنئي حديثه على الضفة الغربية بالذات وذلك لدى استقباله زعيم حركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة في طهران (14 يونيو 2023)، حيث قال “إن الضفة الغربية هي ساحة معركة رئيسية للفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل”.
لذلك من الواضح تماما أن التحدي الأكبر للسلطة الفلسطينية كان وسوف يظل هو نشوء وتنامي الجماعات المسلحة وخاصة المرتبطة بالأجنحة العسكرية للفصائل والتي تعمل خارج نطاق السلطة وأجهزتها، وسبب المعضلة هنا هي أن السلطة الفلسطينية من جهة تشجع العمل المسلح ضد إسرائيل ومن جهة أخرى هي غير قادرة على ضبطه والسيطرة عليه، الأمر الذي تستثمره الفصائل المسلحة وتجيره لمصلحتها. وعاجلا أم آجلا سوف يجد هذا التناقض الذي تعيشه السلطة نهاية له.