بقلم/ عمران سلمان – 18 نوفمبر 2022/
فشل الدعوة التي أطلقها نشطاء وجهات قريبة من الإخوان المسلمين في مصر للتظاهر يوم 11 نوفمبر الجاري وكذلك فشل دعوات أطلقها ناشطون وجهات “معارضة” قريبة من نظام ولاية الفقيه في البحرين لمقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية التي جرت يوم السبت الماضي، يعكس حالة من الحذر والتوجس بدأت تنتشر في بعض المجتمعات العربية من الأحزاب والجماعات السياسية (وخاصة الإسلامية منها) الطامحة للوصول إلى السلطة، والتي تستخدم حالة الاضطراب وعدم الاستقرار من أجل الكسب السياسي. وحالة الحذر هذه مؤشر أيضا على أن بعض المجتمعات بدأت تتعلم من تجارب الماضي وهي بالتأكيد تتذكر اللدغات الكثيرة التي أتتها من نفس الجحر!
جهات عديدة كانت تتمنى بالطبع لو امتلئ ميدان التحرير وسط القاهرة بالمتظاهرين وعجت المدن الأخرى بالمسيرات، فيما كانت القنوات القضائية المعروفة تمنّي نفسها بصيد وفير ولم تكن لتستنكف عن تغطية أية مظاهرة ولو من عشرة أفراد والنفخ في صورتها. لكن ما حدث قد خيب آمال هؤلاء، إذ لم يخرج أي متظاهر واحد وجالت الكاميرات على ميدان التحرير وكذلك باقي المدن المصرية الرئيسية فلم يكن هناك سوى التجاهل التام للتظاهرات ودعاتها.
حاولت بعض هذه الجهات أن ترمي فشلها على الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات المصرية وكذلك الاعتقالات التي طالت بعض أنصارها. لكن الحقيقة التي يعرفها الجميع بمن فيهم هؤلاء هو أن أي إجراءات أمنية لم تكن لتتمكن من منع خروج المظاهرات ولو على نحو متواضع، لو كان الناس يؤيدونها فعلا، لكن من الواضح أن العزوف عن الخروج للشارع هو تعبير متزايد عن عدم الثقة في هذه الجهات.
وما حدث في مصر حدث في البحرين شيء يشبهه الى حد كبير. فهنا أيضا راهنت بعض الجهات على أن البحرينيين سوف يستجيبون إلى دعوات مقاطعة الانتخابات. لكن ما حدث كان هو العكس تماما، فقد بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 73 في المئة. ورغم تفاوت نسب التصويت من محافظة إلى أخرى، إلا أن الاقبال الكبير على مراكز الاقتراع كان واضحا بصورة عامة وقد لمسته وسائل الإعلام التي غطت الحدث.
والأمر المثير هو أن المشاركة في الانتخابات البحرينية تسير في خط بياني متصاعد، رغم دعوات المقاطعة، فقد وصلت النسبة إلى 67 بالمئة في انتخابات عام 2018، في زيادة عن الانتخابات السابقة لها عام 2014 التي شارك فيها 53 بالمئة ممن يحق لهم التصويت.
والأمر الآخر هو المشاركة الكبيرة للنساء في الترشح لهذه الانتخابات، حيث نافسن في الغالبية الساحقة من الدوائر، وقد فازت سيدة في الجولة الأولى، فيما تخوض 9 نساء جولات إعادة، مع وجود فرص كبيرة لعدد منهن في الفوز.
والمسألة لا تتعلق بالانتخابات نفسها فقط، رغم أهميتها الكبيرة، ولكنها تعكس أيضا استمرار حالة التعافي التي يمر بها المجتمع البحريني بعد الأزمة الكبيرة والمؤسفة التي شهدتها البلاد عام 2011 وما رافقها من اضطرابات سياسية وانقسام مجتمعي.
وأظهر استطلاع جديد للرأي العام البحريني أجراه معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى عبر شركة أبحاث استطلاعية إقليمية مستقلة في الفترة من 17 يوليو حتى 10 أغسطس 2022، أن الغالبية العظمى من البحرينيين تريد إسلاما أكثر اعتدالا، حيث وافق حوالي 64 في المئة من المستطلع رأيهم على القول التالي: “يجب أن نستمع إلى أولئك من بيننا الذين يحاولون تفسير الإسلام بطريقة أكثر اعتدالًا وتسامحًا وحداثة”.
وبحسب المعهد الأميركي فإن هذه النتيجة “تعكس على الأرجح، على الأقل بجزء كبير منها، رغبة واسعة النطاق في الجزيرة في تخفيف حدة الانقسام الديمغرافي المذهبي العميق، وتهميش المسلحين من الجهتين، سواء داخل البلاد أو خارجها”.
يبقى أن نقول بإنه لا يوجد، بطبيعة الحال، ضمان في أي بلد عربي بأن الأمور سوف تأخذ دائما منحى إيجابيا، فلا تزال جماعات “الإسلام السياسي”، بشقيها السني والشيعي، قادرة على التأثير على أجزاء كبيرة من السكان، وفي بعض البلدان وصل الأمر حد التغلغل الشديد في جميع مفاصل الدولة، لكن الأمر المشجع هو أن عددا متزايدا من الناس بات يدرك على نحو أفضل طبيعة الهاوية التي تجر هذه الجماعات البلدان العربية إليها، ويكفي النظر إلى النماذج والأنظمة التي ينشدونها وإن بصور وأشكال مختلفة، ولكنها لا تخرج في جوهرها عن اثنين.. إما أفغانستان أو إيران!