بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 4 نوفمبر 2022/
قمة الجزائر كانت فاشلة حتى من قبل أن تبدأ. الفشل في القمم العربية عموما هو القاعدة فيما النجاح هو الاستثناء. والنجاح إذا حدث فهو بفضل دبلوماسية بعض الدول وتوافقها النسبي في بعض القضايا. وكان يمكن أن يعتبر حضور العاهل المغربي محمد السادس مثلا للجزائر نجاحا كبيرا يحسب لهذه القمة وللعلاقات بين البلدين. لكن للأسف فإن إدمان الفشل قد قضى على هذا الاحتمال.
وقد فعلت الحكومة الجزائرية كل ما بوسعها لمنع العاهل المغربي من الحضور. فهي لم تكتف فقط بمعاملة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بصورة سيئة وغير دبلوماسية، وإنما أوعزت إلى وسائل إعلامها بمهاجمة المغرب وقامت قناة الجزائر الحكومية بنشر خريطة للعالم العربي على موقعها الإلكتروني تُخالف الخريطة التي درجت الجامعة العربية على اعتمادها، لجهة موضوع الصحراء.
هذا على الأقل ما قالته السلطات المغربية في شرحها لأسباب تغيب الملك محمد السادس عن حضور القمة، ولا يوجد سبب يجعلنا نكذب ما قالته.
العكس هو الصحيح، حيث إن الدبلوماسية الجزائرية بدت في السنوات الأخيرة نزقة وخاضعة للأهواء وباحثة عن العداوات وخلق المشاكل سواء مع دول الجوار أو في الإقليم، فضلا عن تحالفاتها واصطفافها مع المعسكر الخطأ، أي روسيا وإيران.
وبالعودة للقمة العربية، فالواقع أن غياب زعماء الخليج، باستثناء قطر، بالإضافة إلى عدد من الزعماء الآخرين، يكشف عن انقسامات وخلافات في السياسات والتوجهات. وهي خلافات لم تكن يوما خافية على أحد، فهي غالبا ما تطفو على السطح في كل اجتماع يعقده وزراء الخارجية العرب أو على مستوى السفراء.
لكن الملاحظة الأبرز في هذه القمة أن من حضروا من “الرؤساء” أو رؤساء الحكومات بدوا في معظمهم يمثلون دولا إما تعاني من حروب أهلية، أو اضطرابات سياسية، أو هي فاشلة، أو مقبلة على فشل سياسي واقتصادي.
بمعنى آخر فإن حكومات هذه الدول غير قادرة على أن تنفع مجتمعاتها بشيء فكيف تنفع غيرها، ففاقد الشيء لا يعطيه!
وقرارات القمة وكذلك بيانها الختامي لن تكون أكثر من حبر على ورق وكلام لا تأثير أو قيمة له.
لا تحتاج الدول العربية في الواقع إلى قمم أو اجتماعات، ولكنها تحتاج إلى إصلاح أوضاعها السياسية والاقتصادية المنهارة.
ولا يدور الحديث هنا عن إقامة أنظمة ديمقراطية وما شابه. فلا يمكن لشعوب معظمها جائع أو يعيش تحت خط الفقر وتنعدم لديه ظروف الحياة الطبيعية أو الإنسانية أن يحقق الديمقراطية. هذا مجرد شعار فارغ. الحقيقة أن المجتمعات العربية بحاجة إلى أمرين هما الأمن ويتبعه الاستقرار، والتنمية ويتبعها توفير حياة كريمة. أي حكومة تستطيع أن توفر ذلك لمجتمعها فهي حتما سوف تنقله إلى مرتبة أعلى. ومع استدامة الأمن واستمرار التنمية يمكن الحديث عن تغيير الثقافة السائدة المفارقة لروح العصر، وعن أشكال متدرجة من المشاركة السياسية ومظاهر الديمقراطية.
وما يحدث اليوم في بعض المجتمعات العربية من انتخابات لا علاقة له بالديمقراطية، وإنما هو شكل من أشكال توسيع القاعدة الاجتماعية لأنظمة الحكم بهدف تخفيف الاحتقانات السياسية وحل بعض المشاكل المجتمعية. لكن كثيرين، من حكومات ومؤسسات وغيرها، يساهمون في حملة تضليل سواء بصورة مقصودة أو غير مقصودة، حين يجري الحديث عن نظام ديمقراطي، وهذا التضليل موجه للغرب تحديدا الذي دأب على انتقاد هذه الدول بسبب غياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان، فيتم الرد عليه بأننا أيضا نطبق الديمقراطية ولدينا انتخابات وبرلمانات وما شابه.. الخ.
وبالعودة مجددا إلى القمة العربية فاللافت أن الحكومة الجزائرية قامت بحملة دعائية كبيرة طوال الأسابيع التي سبقت انعقادها، لإعطاء الانطباع بأن هذه القمة ستكون مختلفة وسوف تعمل على “لم شمل” الدول العربية، لكن الشيء الوحيد الذي نجحت فيه هو انعقادها في حد ذاته، وخلاف ذلك فهي لم تحقق شيئا يذكر. وهي بالتأكيد لم تلم شمل أحد. الذين تحمسوا للحضور هم ممن يتفقون مع التوجهات السياسية الجزائرية، فيما الآخرون جاءوا فقط لرفع العتب وكي لا يضطروا إلى تبرير غيابهم. لكن لو تم إلغاؤها أو تأجيلها لشعر معظم من حضروا بالارتياح.
بهذا المعنى فقد كانت القمة جهدا من الحكومة الجزائرية للهروب من استحقاق الإصلاح الداخلي، عبر التركيز على لعب دور دبلوماسي ما على الساحة العربية، وهو تكتيك تفهمه باقي حكومات المنطقة وتستخدمه هي الأخرى، أقل أو أكثر، كلما دعت الحاجة إلى ذلك.