بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 30 سبتمبر 2022/
صعود أحزاب أقصى اليمين في أوروبا، وآخرها إيطاليا والسويد وفرنسا، له بالطبع أسباب عديدة، لكن أبرزها وأكثرها وضوحا يظل هو الهجرة غير الشرعية وخاصة من الدول الإسلامية وما جاورها.
وحقيقة أن عددا متزايدا من المواطنين الأوروبيين بات يمنح صوته لهذه الأحزاب هو دليل على أن ما يقوله زعماؤها يتردد صداه في المجتمع. ولا يمكن لهذا الصدى أن يصل للناس ويقتنعوا به من دون أن يروا على الأقل بعضا منه مترجما على أرض الواقع.
وسواء كانت نظرية “الاستبدال العظيم” التي هي في قلب الخطاب السياسي لهذه الأحزاب، حقيقة أم مبالغ فيها، وسواء كان استخدامها بهدف الكسب السياسي أم الرغبة في الحفاظ على طابع وثقافة هذه المجتمعات، من الواضح أنها بدأت تكتسب أرضية في بعض الدول الأوروبية.
وحتى من دون وجود جهات أو أطراف تسعى إلى هذا الاستبدال، والمقصود فيه إحلال المهاجرين التدريجي محل السكان الأصليين في هذه البلدان، فإن تزايد تدفق المهاجرين الذي لا ينقطع على القارة الأوروبية بحرا وبرا وجوا، كافيا في حد ذاته لدفع بعض المجتمعات الأوروبية للشعور بالقلق.
وعلى سبيل المثال لا يمكن تفسير صعود حزب “أخوان إيطاليا” من نسبة 4 في المائة في انتخابات عام 2018 إلى 26 في المائة في الانتخابات الأخيرة حيث حقق المركز الأول، سوى أن الإيطاليين، من بين أمور أخرى، باتوا يشعرون بوطأة هذه المشكلة.
ولغة الأرقام لا تكذب. ففي تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية مقتطفات منه أن إيطاليا أصبحت في السنوات الأخيرة هي الجهة الأوروبية المفضلة للمهاجرين غير الشرعيين، حيث استوعبت منذ يناير الماضي نحو 56 في المائة من التدفق العالمي للمهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا، في حين كانت هذه النسبة تبلغ 9.2 في المائة فقط في عام 2019.
ولفت التقرير إلى وصول 44 ألف مهاجر ولاجئ إلى سواحل إيطاليا، خصوصاً في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، آتين من الضفة الجنوبية للمتوسط، في المرحلة الزمنية الممتدة من يناير إلى الأسبوع الأول من أغسطس من العام الحالي (2022).
وبحسب أرقام مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يُظهر مؤشر هؤلاء الوافدين زيادة بنسبة 40 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021!
ورغم أن نسبة كبيرة من هؤلاء لا تستقر عادة في إيطاليا نفسها وإنما تسعى للوصول إلى دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا، لكن هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين تعطي لمحة عما ينتظر أوروبا، خاصة أنه يحدث رغم التشديد في الإجراءات والسياسات الهادفة إلى منع الهجرة غير الشرعية.
والمشكلة الأكبر هي أن صورة المستقبل تبدو قاتمة في ها المجال. فالدول العربية والإسلامية في المنطقة منها من أعلن فشله ومنها من ينتظر، والعديد منها مرشح أن يكون مصدرا للمهاجرين غير الشرعيين أو ممرا لهم.
فالأوضاع الاقتصادية وكذلك السياسية في بعض هذه البلدان لا تبشر بخير، ولا يوجد أمل في تحسنها قريبا، وكل ذلك مرفوق بزيادات سكانية هائلة.
وحينما يحدث انفجار سياسي أو اضطراب فإن مئات الآلاف وربما الملايين سوف يبدأون بالنزوح هنا وهناك وسوف تكون وجهتهم النهائية هي أوروبا.
وعلى سبيل المثال تشير التقارير إلى أن اللاجئين السوريين الذين كان يعتقد أنهم قد استقروا في تركيا يستعدون من جديد للتدفق على أوروبا بعد أن بدأت السلطات التركية في تشديد القيود عليهم وبات مستقبلهم في هذا البلد معتما.
والهجرة إلى القارة الأوروبية في حد ذاتها ليست أمرا جديدا أو حديثا، ولكن الجديد هو أن تسارع انهيار الأوضاع في بعض الدول العربية يفوق بكثير قدرة الدول الأوروبية على هضم المهاجرين الذين يتدفقون عليها، الأمر الذي يخلق مشكلات جدية وحقيقية لهذه المجتمعات.
وما يزيد الطين بلة هو أن معظم هؤلاء المهاجرين يختلفون إلى درجة العداء من حيث الدين والثقافة والعادات الاجتماعية، الأمر الذي يجعل دمجهم في مجتمعاتهم الجديدة عملية مؤلمة ومعقدة ومكلفة في الوقت نفسه.
ولذلك لا غرابة في أن يترجم عدد متزايد من المواطنين الأوروبيين غضبهم وإحباطهم من سياسات حكوماتهم في موضوع الهجرة بالتصويت إلى أحزاب أقصى اليمين. ولا غرابة في أن يرى هؤلاء في بروز هذه الأحزاب ردة فعل طبيعية وأمرا يحاكي مفعول المضاد الحيوي الذي ينتجه الجسم الأوروبي لحماية نفسه من خطر داهم!