روح العصر تتسرب إلى السعودية

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 31 ديسمبر 2021/

قيل في الأيام القليلة الماضية بأن روح عيد الميلاد بدأت تتسرب إلى السعودية، بعد أن نشرت صحف أميركية بينها وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز تقارير تتحدث عن مظاهر خجولة لأجواء عيد الميلاد في السعودية لأول مرة في تاريخ المملكة.

والأصح ربما القول بدلا من ذلك أن روح العصر هي التي بدأت تتسرب إلى السعودية. وهذا لا يعني أن السعوديين ليسوا معاصرين. الحقيقة أن الكثير من السعوديين وعلى غير ما يعتقد باقي العرب، هم متنورون وعصريون، وربما أكثر من غيرهم، ولكن أن تظهر مظاهر العصر على أرض الواقع وأن تسمح السلطات للمواطنين بممارسة حرياتهم الطبيعية فهذا هو الجديد.

في السابق كانت عصا “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” حاضرة دوما في كل مفصل من مفاصل حياة السعوديين. وكانت تنغص عليهم معيشتهم، بل وتتسبب في إيقاع الأذى والضرر بهم وبصورتهم في العالم. 

اليوم وبعد أن كسرت هذه العصا وألقيت جانبا حان للسعودي والسعودية أن يمارسا حياتهما مثل باقي البشر.

مع ذلك يبقى من المثير أن تكون الحريات العادية والسلوكيات الطبيعية مثل الاحتفال والموسيقى وخروج النساء للأماكن العامة والارتياد الجماعي للمنتزهات أمور تستحق الإشارة إليها بوصفها مكاسب وأحداث غير مسبوقة!

وهذا يظهر إلى أي حد حوّل التزمت والانغلاق الديني مجتمعاتنا إلى مجتمعات منكوبة، لاتزال تنشغل بقصص وقضايا لا أحد غيرنا في هذا العالم يتحدث فيها أو عنها. وأحد الأمثلة على ذلك ما جرى في الأيام الماضية حين تحدث مستشار مفتي الجمهورية وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية مجدي عاشور إيجابا عن الصداقة بين المرأة والرجل قبل الزواج. وهو الحديث الذي أثار جدلا واسعا واستنكارا غير مسبوق، الأمر الذي دفع دار الإفتاء إلى إصدار بيان توضح فيه موقفها من هذه القضية وبصورة تتنصل فيها بشكل غير مباشر من حديث مجدي عاشور.

فهل تحتاج الصداقة بين المرأة والرجل إلى فتوى من الأساس أو أن يكون للدين دورا فيها أو أن تصبح قضية مثيرة للجدل؟

طبعا هذه القضية ليست منفردة، بل هي تضاف إلى عشرات القصص الغريبة والعجيبة التي تحفل بها وسائل الإعلام كل يوم، والتي تدور في معظمها حول فتاوى ومواقف رجال الدين أو قضايا يكون للدين فيها دورا رئيسيا. من ذلك إعلان الفنان الأردني أدهم النابلسي مؤخرا اعتزاله الغناء، بسبب أنه ارتأى أن الفن “لا يتماشى مع إرضاء رب العالمين”، كما قال في فيديو نشره على مختلف حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرا أن “على الإنسان أن يختار هدفا مهنيا له يتماشى مع هذه الغاية”!

وهذا الموقف الغريب من الفن لا نجده سوى عند المسلمين، ولا سيما في العقود الأخيرة، حيث تتكرر ظاهرة اعتزال الفن لأسباب دينية، كما لو أن الفن هو عمل سيء وضد الأخلاق وضد القيم الإنسانية! ولكن إذا كان هؤلاء ومن يؤيدهم، وهم كثيرون مع الأسف، يعتبرون أن الفن أو الغناء يتعارض مع الدين فلماذا إذن لا يطالبون بمنع الغناء تماما في بلدانهم وغلق الكليات والمعاهد الفنية وفرض الرقابة على التلفزيون والإذاعة والسير على خطى طالبان؟ لماذا هذه الازدواجية والتنطع؟

الواقع أن هذه الازدواجية هي تعبير عن الصراع النفسي والعقلي بين الدخول في الحداثة والبقاء خارجها في الوقت نفسه، وهذا الصراع يضغط بشدة على المجتمعات العربية والإسلامية، على النحو الذي يشل طاقتها وقدرتها على التحرك إلى الأمام.

الأسوأ أنه يجعل هذه المجتمعات أمكنة مثالية لتفريخ جماعات ماضوية وميليشيات إرهابية تنشر الكراهية والعنف وتقاتل باسم الإسلام. وهو الأمر الذي دفع موقع “ترافل ريسك ماب” مؤخرا إلى وضع 15 دولة عربية وإسلامية على قائمة الدول الأكثر خطورة كليا أو جزئيا بحسب مؤشر “المخاطر الأمنية” لعام 2022.

ولو دققنا النظر في هذه الدول وبينها اليمن وسوريا وليبيا ومالي والصومال وأجزاء من باكستان والعراق ومصر، سنجد أنها إما دول فاشلة أو تقترب من الفشل. وأن جميعها تعاني من هذا الصراع النفسي والعقلي.

يبقى القول بأن محاولات دولة مثل السعودية الخروج من هذ الصراع والانحياز إلى قيم الحداثة والانفتاح هو أمر مشجع وإن كان يتم بصورة بطيئة وغير حاسمة (كما هو الحال مع الاستمرار المؤسف لاعتقال صديقنا رائف بدوي)، لكنه مع ذلك يقدم دليلا على أنه لا يمكن لهذه الدول أن تأمل في حل مشاكلها أو تكون جزءا من اقتصاد المستقبل من دون حل مشكلة الدين وعلاقته بالدولة والفرد. حتى الآن هذه العلاقة تسمم هذه المجتمعات وتمنعها من الحركة. ولا ينبغي التسامح مع ذلك فترة أطول.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *