الأردن.. دولة أم مخيم لاجئين؟

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 3 ديسمبر 2021/

في 26 أكتوبر الماضي مر 27 عاما على توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل. وباستثناء إنهاء حالة الحرب رسميا بين البلدين فإنه من الصعب تذكر أية إنجازات كبيرة أو ملموسة تحققت طوال هذه السنوات جراء تلك المعاهدة.

لكن ما حدث يوم الاثنين الماضي (22 نوفمبر 2021) في معرض “إكسبو دبي 2020” ربما يغير هذا التقييم. فقد وقع الأردن وإسرائيل والإمارات على مذكرة تعاون تشمل إقامة محطة للطاقة الشمسية في الأردن لتزويد إسرائيل بالكهرباء وإقامة محطة تحلية في إسرائيل لتزويد الأردن بالمياه الصالحة للشرب. وستشارك الإمارات في تمويل هذا التعاون الذي يجري برعاية الولايات المتحدة ومباركتها.

كان من المتوقع أن تجد هذه الخطوة غير المسبوقة ترحيبا كبيرا في الأردن الذي يعاني من نقص حاد في المياه وسبق له أن وقع على عدة اتفاقيات لشراء الماء من إسرائيل. لكن ما حدث هو أن الدنيا قامت ولم تقعد، وبدا فجأة كما لو أن الأردن لا تجمعه اتفاقية سلام مع إسرائيل، وأصبح الحديث عن التطبيع وتهم الخيانة والعمالة تتطاير هنا وهناك على وقع تجمعات وتظاهرات لجمعيات ونقابات واتحاد طلابية… إلخ، كلها ترفض السلام والتعاون الاقتصادي وتكاد تدعو إلى الحرب!

فما هو سبب كل هذا التشنج والغضب؟

يقول هؤلاء بإن هذه المشاريع ترهن مصير الأردن لإسرائيل وتقوض أمنه، ولكن لماذا لا يقول الإسرائيليون أيضا الشيء نفسه بأن مثل هذه المشاريع ترهن مصيرهم للأردن أو لمصر في حالة الغاز؟ بل لماذا لا يقول الأوروبيون إن استيرادهم للغاز الروسي هو رهن لمصيرهم لدى روسيا، وقس على ذلك الكثير من أشكال التعاون بين مختلف دول العالم.

الواقع أن المسالة ليست في التعاون الإسرائيلي الأردني نفسه والمكاسب التي سوف يجلبها للأردن وسكانه فذلك أمر واضح تماما، ولكنها في الرغبة لدى البعض في إبقاء الأردن ضمن خانة الممانعة وقطع الطريق على أية إمكانية لإقامة علاقات طبيعية بين البلدين، ولو كان الثمن هو استمرار معاناة الأردن وبقائه دولة مع وقف التنفيذ!

وهذا هو السبب في أن كل خطوة من هذا القبيل تواجه بردود فعل عدائية. وما جرى الأسبوع الماضي لم يكن استثناء.

 ففي يوم الثلاثاء (16 نوفمبر 2021) انسحب طلاب وأعضاء في الهيئة التدريسية في الجامعة الأردنية، من ندوة كان من المقرر أن تقام في كلية الملك عبد الله الثاني لتكنولوجيا المعلومات، بسبب استضافة ممثلين عن جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي الإماراتية، وكان الغرض منها عرض المنح الدراسية التي تقدمها للطلاب الأردنيين.

وسبب الانسحاب، كما قيل، هو أن الجامعة الإماراتية تقيم علاقات مع اثنتين من أبرز المؤسسات التعليمية الإسرائيلية وهما الجامعة العبرية، ومعهد وايزمان للعلوم.

والملفت أن الأمر لم يقتصر على الانسحاب، وإنما تم تجييش مواقع التواصل الاجتماعي للهجوم على السلطات الأردنية واعتبار الأمر بمثابة مؤامرة للتطبيع!

طبعا لا حاجة إلى القول بأن الخاسر الأكبر من ذلك هو الطلاب الأردنيون والجامعات الأردنية نفسها!

وفي شهر مارس 2021 بثت صفحة إسرائيل بالعربية على فيسبوك تقريرا عن مشروع يدعى “يسلمو إيديك”، تقوده نساء إسرائيليات وأردنيات من وادي عربة بطرفيه (الإسرائيلي والأردني)، بهدف دعم مشاريع حرفية يدوية تؤمن للنساء مصادر دخل لإعالة أنفسهن وعائلاتهن.

ويعرض التقرير قيام المشاركات في المشروع الذي انطلق نهاية عام 2018 بأربعين سيدة (20 أردنية، ومثلها إسرائيلية)، بالتعارف وتبادل الزيارات على مستوى العائلات والعمل معا في مشاريع يدوية مشتركة.

لكن هذا أغضب الناشطين في الأردن واستفزهم على نحو خاص، الأمر الذي دفعهم لشن حملة عارمة ضد المشروع وجرى ترهيب النساء الأردنيات المشاركات فيه، وإجبارهن في النهاية على التنصل منه.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو من الذي يدير الأردن حقا؟ هل هو الملك والحكومة أم الناشطين والجماعات الإسلامية والقومية ومناهضي التطبيع؟

ولماذا تقوم الحكومة الأردنية بمبادرات أو مشاريع مشتركة مع الإسرائيليين، ثم تخرج جماعات وناشطون يحتجون عليها وينجحون في الكثير من الأحيان في إفشالها؟ ما هو الهدف من كل ذلك؟  

نفهم بطبيعة الحال أن وضع الأردن من الناحية التاريخية وكذلك التركيبة السكانية معقد ومتشابك مع الضفة الغربية من نهر الأردن.

 لكن هذا التشابك والتعقيد يضفي أيضا تعقيدا آخر على علاقة الأردن مع إسرائيل وخاصة بعد معاهدة السلام.

فالأردن ليس عدوا لإسرائيل، لكنه ليس صديقا لها أيضا. هو ينتقل بين هذا وذاك. لكن هذه الوضعية بالذات يراد منها ألا يصبح الأردن دولة وإنما مجرد مخيم للاجئين!

مع العلم أن إمارة شرق (نهر) الأردن التي أنشأها البريطانيون (أو وافقوا على قيامها، بما أن المنطقة كلها كانت خاضعة للانتداب) في عام 1921، تعتبر هي الدولة الوحيدة التي كانت قائمة في المنطقة في ذلك الوقت، وقد حافظت على وجودها حتى حصول الأردن على استقلاله رسميا عام 1946 مع نهاية الانتداب البريطاني.

ولهذا السبب كان من الطبيعي أن يتولى الأردن مسؤولية الأراضي التي حددها قرار التقسيم للفلسطينيين (في ظل عدم وجود دولة فلسطينية) والتي تناقصت بشكل دراماتيكي بعد خسارة الأردن والجيوش العربية حربي 1948 و1967. 

وكان من الطبيعي أيضا أن تجد أعدادا كبيرة من الفلسطينيين الذين تحولوا إلى نازحين أو لاجئين جراء الحروب العربية الإسرائيلية في الأردن سكنا بديلا لهم.

وكان من المفترض أن يتم هضم هؤلاء واستيعابهم ضمن الدولة الأردنية ومؤسساتها، بالضبط كما فعلت إسرائيل مع مهاجريها القادمين من الدول العربية وغير العربية.

لكن المؤسف أنه لم تتح للأردن أبدا الفرصة للقيام بذلك، حيث تكالب الجميع عليه وأضعفوه، والنتيجة أن المملكة لا تزال حتى اليوم عالقة في منتصف الطريق، تقدم رجلا وتؤخر أخرى.. تارة دولة وتارة مخيم لاجئين!

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.