بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 26 نوفمبر 2021/
حدثان مميزان وقعا الأسبوع الماضي، ولكل منهما تأثيره الخاص. أما الأول فهو الحكم على المحامي والمفكر المصري أحمده عبده ماهر بالسجن خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان (17 نوفمبر 2021). وهو حكم مفاجئ وكان له وقع الصدمة على الكثيرين في مصر وخارجها، لأنه يتناقض مع ما سبق أن نادى به الرئيس المصري الجنرال عبد الفتاح السيسي نفسه ودعا إليه من ضرورة إصلاح التراث الديني.
الواقع أن تهمة ازدراء الأديان فوق أنها تهمة سخيفة ولا محل لها من الإعراب في المجتمعات المتحضرة، فإنها ضعيفة من الناحية القانونية لأنها غير واضحة أو محددة حسبما تقتضيه صياغة المواد القانونية. والحكم على عبده ماهر هو أكبر دليل على ذلك، بالنظر إلى أنه لم يزدرِ الدين وإنما انتقد كتب الأحاديث وما ألفه البشر من التراث الديني. وكان في كل ذلك مدافعا عن الإسلام والقرآن وليس العكس!
ولا بأس أن نشير هنا إلى حقيقة أن ازدراء الأديان لا تعني في الواقع جميع الأديان، وإنما تعني حصرا ازدراء الإسلام، لأن رجال الدين المسلمين ومعهم مرددي أقوالهم ما انفكوا يزدرون باقي الأديان ليل نهار من دون أن يتعرض أي منهم للمساءلة أو المحاكمة.
أما المغزى الحقيقي لما جرى فهو أن هذا النوع من المحاكمات ذكّرنا بمحاكم التفتيش التي كانت سائدة في بعض المجتمعات الغربية إبان العصور الوسطى. وكانت وظيفتها هي التفتيش في ضمائر الناس وأفكارهم وآرائهم عن كل ما يشكل إساءة أو تعارضا مع الدين. وكان المتهمون في هذه المحاكم غالبا ما يدانون وتتم معاقبتهم بمختلف أنواع العقوبات الوحشية المعروفة في ذلك الوقت.
وفي حين تخلت أوروبا عن هذه المحاكم منذ وقت طويل بعد أن جلبت العار لهذه الدول، تلقفت المجتمعات الإسلامية هذه المحاكم وسنت لها قوانين وتشريعات تحت عنوان “ازدراء الأديان”!
يعتقد بعض حسني النية بأن من يحرك هذا النوع من القضايا ويدافع عنها ويعطيها شكلها النهائي في مصر هم بعض المحامين من طالبي الشهرة أو الإسلاميين الموتورين، لكن حسب ما يتسرب من هنا وهناك فإن من يحرك هذه القضايا أو يشجع عليها في الواقع هي الأجهزة الأمنية، وفي حالتنا هذه الأجهزة الأمنية المصرية. فهي التي تشغّل هؤلاء المحامين وتطلب منهم رفع مثل هذه القضايا لأغراض سياسية أو دعائية. بخلاف ذلك فإنه لا أحد يستطيع أن يفعل شيئا من هذا النوع من دون موافقة السلطات. بل أن رسالة قصيرة على الواتساب يرسلها جهاز الأمن لأي محام كفيلة بإخراسه إلى الأبد.
لذلك إذا كان هناك من يلام ومن هو المسؤول عن إنشاء ورعاية محاكم التفتيش في مصر والدفع بسن القوانين القرووسطية فهو السلطة العسكرية الحاكمة، وليس أي أحد آخر.
أما الخبر الثاني فهو إعلان وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل (19 نوفمبر 2021) أنها اتخذت إجراءات لحظر حركة “حماس” بأكملها في المملكة المتحدة، وأنها تعتزم استصدار قانون من البرلمان البريطاني بهذا الشأن يعامل الحركة بوصفها منظمة إرهابية.
الوزيرة البريطانية بررت قرارها بأنه “لم يعد بإمكانها الفصل بين الجناحين العسكري والسياسي للحماس، وأن القرار يستند إلى معلومات استخبارية تؤكد ارتباطها بالإرهاب”.
وقالت الوزيرة أن “حماس” تحظى بـ”قدرات إرهابية ملموسة” بما يشمل الوصول إلى ترسانة أسلحة “واسعة ومتطورة” و”منشآت لتدريب الإرهابيين”. وأعربت عن أملها في أن “تساعد هذه الخطوة على مكافحة اللاسامية وحماية الجالية اليهودية”.
هل تستحق حماس هذا التصنيف؟
قطعا تستحق ذلك، فهي منظمة إرهابية بامتياز وهي لا تختلف عن تنظيم القاعدة أو داعش إلا في الدرجة وليس في النوع، وكان يفترض أن تتخذ بريطانيا هذا القرار منذ أمد بعيد، فقد سبقتها إلى ذلك كل من كندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لذلك فالسؤال هو ليس بشأن صحة القرار من عدمه وإنما بكونه قد تأخر كثيرا. لكن كما يقال فإن يأتي متأخرا أفضل من ألا يأتي أبدا.
وكما هو متوقع في مثل هذه الحالات فقد سارعت إلى التعاطف والدفاع عن حماس ضد القرار البريطاني المنظمات الإرهابية الأخرى من الحوثيين إلى الجهاد الإسلامي وغيرهم، وكان لافتا حالة الغضب الممزوجة بالحزن التي سادت المواقع الإخبارية التابعة لقطر وللإخوان المسلمين وابنتهم المدللة حماس، مثل الجزيرة، والعربي الجديد، والقدس العربي، وغيرها.
بالطبع أهمية تصنيف حماس منظمة إرهابية في بريطانيا، لا تنبع فحسب من النشاطات التي تقوم بها الحركة هناك، وإنما من أمرين. الأول تأثيره المعنوي والسياسي وخاصة على جماعات الإسلام السياسي، والأمر الثاني كون بريطانيا هي أحد المعاقل المهمة لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا وقد وفرت على مدى عقود الملاذ والملجأ للعديد من قيادات ونشطاء الجماعات الإسلامية والإرهابيين من كل صنف ونوع.
لذلك فإن التحرك ضد حركة حماس يعكس إدراكا متزايدا وفهما أكبر لما تشكله هذه الجماعات من خطورة ليس فقط على مجتمعات الشرق الأوسط، ولكن أيضا على بريطانيا نفسها وعلى أوروبا والغرب بصورة عامة.
لقد حاولت حماس وغيرها أن تصور القرار بالبريطاني بأنه موجه ضد القضية الفلسطينية، لكن الصحيح أنه موجه ضد الجماعات الفلسطينية الإرهابية وليس ضد الفلسطينيين أو قضيتهم. وقد حان الوقت كي تقوم بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول الغربية بوضع الجماعة الأم نفسها، أي الإخوان المسلمين، على قوائم الإرهاب.