بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 19 نوفمبر 2021/
المهاجرون غير الشرعيين، وغالبيتهم من الشرق الأوسط، يحاصرون أوروبا من جميع الجهات تقريبا. هذا ليس تشبيها أو مبالغة، ولكنه حقيقة تزداد وضوحا كل يوم.
فعلى طول الحدود الجنوبية والشرقية للقارة يتأهب مئات الآلاف من هؤلاء لأية فرصة أمامهم لعبور البر أو ركوب البحر باتجاه الحدود، وخلف ذلك تقف دول عربية وإسلامية جاهزة دوما لإنتاج المزيد منهم كل يوم.
ويبدو أن مستقبل الاتحاد الأوروبي سوف يتشكل في ضوء الطريقة التي يتعامل بها مع هذا الملف. هل يستقبل المزيد من المهاجرين وبالتالي يغامر بتغيير الطابع الديموغرافي لبلدانه وما يرافق ذلك من اضطرابات داخلية عنيفة بسبب عدم التجانس أو القدرة على الاستيعاب، أم يقاوم ويوصد أبوابه تماما، ولكن كيف وإلى متى؟
حتى الآن تبدو السياسات الأوروبية مزيجا من الاثنين، فمن جهة تستقبل هذه الدول أعدادا من اللاجئين وخاصة الفئات الأضعف، والهاربين من مناطق النزاعات، ولكنها في الوقت نفسه تسعى لاتخاذ إجراءات للحد من الهجرة غير الشرعية سواء عبر الضغط على دول المنبع أو تشديد القيود على الحدود.
لكن جميع هذه الإجراءات كشفت مع ذلك عن ضعف وعدم وجود سياسة موحدة وفاعلة تجاه هذا التحدي الكبير. ففي حين تتشدد بعض الدول الأوربية (خاصة الشرقية والجنوبية منها) في مسألة اللجوء والهجرة غير الشرعية، فإن دولا أخرى تفتح أبوابها من دون قيود.
والأهم أن هذه السياسات لم تردع المهاجرين غير الشرعيين من التدفق على هذه الدول، بل أنها في حالة دولة مثل ألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون مهاجر في السنوات الماضية، شجعت المزيد من هؤلاء على القدوم.
وفي الواقع تواجه الدول الأوروبية معضلة. فقوانينها وقيمها تمنعها من وصد الأبواب أمام اللاجئين الذين يتهدد حياتهم الخطر في بلدانهم، وفي الوقت نفسه فإن أعداد هؤلاء آخذة بالتزايد على نحو مخيف. في العادة فإن قوانين الهجرة مصممة كي تستوعب أعدادا معقولة من اللاجئين سنويا، لكن عندما يكون هؤلاء مثل الطوفان فمن المفهوم أن تصاب هذه الدول بالقلق والذعر.
والملاحظ هو أن السياسات الأوروبية الضعيفة والمتسمة بالكثير من التردد تجاه الهجرة غير الشرعية أغرت بعض الحكومات الاستبدادية لاستخدام هذه الورقة ضدها.
ويعتبر فتح جبهة بيلاروس والتي تجاور لاتفيا وليتوانيا وبولندا، أي الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، هو الأحدث في هذه الحرب. فمن الواضح أن العملية كلها مدبرة وتقف خلفها الأجهزة الأمنية البيلاروسية، والهدف هو إحراج أوروبا وابتزازها. ولولا الموقف المتشدد من جانب بولندا وكذلك تحرك الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على شركات الطيران التي تنقل المهاجرين وكذلك الأشخاص المتورطين في تهريب البشر، لكان الجسر الجوي إلى مينسك لا يزال مستمرا ولشاهدنا عشرات وربما مئات الآلاف من المهاجرين يطرقون أبواب الاتحاد الأوروبي.
والذين يتهمون أوروبا بالقسوة ويستنكرون رفضها استقبال المهاجرين غير الشرعيين، هم أنفسهم لا يقبلون بوجود هؤلاء على أراضيهم ولا يمنحونهم أية فرصة للبقاء أو اللجوء.
هذه الأعمال لا علاقة لها باللجوء، هذا نوع من الغزو البشري لأسباب اقتصادية يتم من مناطق الشح إلى مناطق الوفرة. وهو كان يحدث باستمرار عبر التاريخ وفي معظم مناطق العالم. الذي اختلف الآن هو أنه لم يعد مقبولا بسبب وجود دول ذات حدود وسيادة، وحيث لا يمكن لأية دولة أن تسمح بدخول الناس إليها بطرق غير شرعية وغير قانونية وإلا انتهكت سيادتها ولم تعد لقوانينها أية قيمة.
وعدا عن القضايا المتصلة بالقانون والسياسة فإن ثمة مخاطر أمنية أيضا. فليس هناك ما يمنع التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش والإخوان المسلمين وغيرها من استخدام سلاح اللجوء والهجرة غير الشرعية، سواء عبر تشجيع الناس في المناطق التي تسيطر عليها أو تنشط فيها، أو الإيعاز إلى عناصرها بالهجرة إلى الدول الغربية إما لتنفيذ عمليات إرهابية أو تأسيس خلايا أو ملاذات آمنة.
إن الصورة الأكبر لهذه المشكلة ليست فيما يحدث اليوم على الحدود بين بيلاروس وبولندا أو في المياه الجنوبية للبحر المتوسط، ولكنها في الحقيقة أن عدد سكان الدول العربية والإسلامية يتزايد باضطراد ومشاكل هذه الدول تتضاعف وتصبح أكثر استعصاء، ويبدو أن إحدى وسائل الحكومات فيها للتخفيف من هذه المشاكل هو فتح الأبواب لجزء من سكانها للهجرة باتجاه أوروبا. وهذا يعني أن طوفان الهجرة غير الشرعية لن يتوقف، بل ربما يزداد مع الوقت، ومع الوقت أيضا لن تعود أوروبا هي نفسها التي نعرفها اليوم ما لم تسع إلى تغيير قواعد اللعبة بصورة جذرية.