طالبان تبدد آمال حلفائها في التغيير

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 8 أكتوبر 2021/

منذ الأيام الأولى لسيطرة حركة طالبان على السلطة في أفغانستان (15 أغسطس 2021) سعى حلفاؤها في باكستان وقطر وتركيا وجماعة الإخوان المسلمين وبعض الحركات الجهادية إلى إشاعة الانطباع بأن الحركة قد تغيرت أو في طريقها للتغير وأن على المجتمع الدولي الاعتراف بها وبالحكومة التي شكلتها حديثا!

لكن هذا الادعاء سرعان ما تبدد، بل وأصيب في مقتل مع تسارع الكشف عن سياسات طالبان الجديدة/القديمة، سواء في ميدان التعليم أو الميدان الاجتماعي أو السياسي أو تجاه الموظفين السابقين في الدولة. فهذه السياسات كشفت بما لا يدع مجالا للشك بأن الحركة لم تتغير وأنها هي نفسها تلك التي حكمت أفغانستان قبل عشرين عاما بقوانين العصور المظلمة، خاصة حينما يتعلق الأمر بالمرأة وبحقوق الإنسان.

وكان رفضها لتشكيل حكومة تمثل كافة أطياف المجتمع الأفغاني الاثنية والدينية وقصر المناصب الرئيسية على أعضاء الحركة والبشتون منهم تحديدا، ردا بليغا على أولئك الذين يروجون بأن الحركة قد تخلت عن تشددها ونظرتها للشراكة مع الآخرين. والأدلة على ما نقوله أكثر من أن تحصى.

في 27 سبتمبر 2021 نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا ضمنته تغريدة للرئيس الجديد لجامعة كابل محمد أشرف غيرات الذي عينته حركة طالبان وفيها يقول إنه سيتم منع النساء من الدخول إلى الحرم الجامعي، إلى أجل غير مسمى، سواء كمعلمات أو طالبات، موضحا أنه “طالما لم تتوفر بيئة إسلامية حقيقية للجميع، فلن يسمح للنساء بالقدوم إلى الجامعات أو العمل. الإسلام أولا”.

بطبيعة الحال هذا القرار أحرج حلفاء طالبان، ما دفعهم فيما يبدو إلى معاتبة الحركة، التي سارعت إلى إصدار بيان توضيحي (1 أكتوبر 2021) نفت فيه هذا الأمر، وقال المتحدث باسمها، سهيل شاهين، لموقع “أكسيوس”، إن “الحساب التابع لرئيس الجامعة مزيف”، مشددا على أن “للمرأة الحق في الحصول على التعليم والعمل”.

بالطبع غير معروف ما إذا كان هذا النفي سوف يعني تراجع الحركة عن قرارها أم أنه مجرد حملة تضليل معتادة من قيادة طالبان، فحقيقة تعيينها لمحمد أشرف غيرات (34 سنة) على رأس الجامعة، وكل مؤهلاته أنه كان يرأس لجنة الثقافة في الحركة (لا نعرف أي ثقافة هذه) لا تبشر بأي خير للتعليم الجامعي في أفغانستان. وهو الذي سبق أن وصف مدارس البلاد بأنها “مراكز للدعارة”.

كما سبق لحكومة طالبان أن أعلنت في 12 سبتمبر 2021 قرارات تتعلق بسياسة جديدة للتعليم العالي تتضمن فصل الرجال عن النساء ووضع قواعد لزي إسلامي داخل الجامعات يلزم الطالبات بارتداء العباءة السوداء والنقاب ومتابعة المحاضرات في فصول غير مختلطة.

ويخشى البعض من أن تؤدي هذه القرارات في نهاية المطاف إلى حرمان المرأة من التعليم الجامعي لأن الجامعات ليس لديها الموارد المالية اللازمة لإقامة قاعات محاضرات منفصلة للنساء.

وفي 17 سبتمبر 2021 أمرت وزارة التعليم طالبات المدارس الإعدادية والثانوية بعدم العودة إلى المدرسة في الوقت الحالي، في الوقت الذي استأنف فيه الأولاد في تلك الصفوف دراستهم بعد ذلك بيوم واحد.

وفي 17 سبتمبر أيضا ألغت حركة طالبان وزارة شؤون المرأة، واستبدلتها بوزارة “نشر الفضيلة ومنع الرذيلة”، وكلفتها بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وقد نظمت أكثر من اثنتي عشرة امرأة وقفة احتجاجية خارج هذه الوزارة، قائلات إنهن قد خسرن وظائفهن. 

وفي 19 سبتمبر 2021 أعلن حمد الله نعموني رئيس بلدية العاصمة الأفغانية المؤقت في مؤتمر صحفي صدور الأوامر لموظفات بلدية كابل بالبقاء في منازلهن حتى إشعار آخر، باستثناء النساء اللاتي لا يمكن استبدالهن برجال.

ويشمل هذا القرار نحو ثلث موظفي بلدية كابل، البالغ عددهم 3000 موظف، وهن من النساء اللواتي كن يعملن في جميع الإدارات.
كما أصدرت لجنة الدعوة الإسلامية بمديرية نجراب بولاية كابيسا شمال شرق كابل بيانا في 27 سبتمبر 2021، سلطت فيه الضوء على قواعد السلوك التي تسعى حركة طالبان لتعميمها على المواطنين.

واشتمل البيان، الذي صدر باسم “إمارة أفغانستان الإسلامية” على 16 قاعدة، بينها أنه لا يسمح للمرأة بعمل تسريحات الشعر “الأميركية” و”الفرنسية”، كما لا يسمح للرجال بالحلاقة.

كذلك تمنع المرأة من التواجد خارج المنزل بدون حجاب، وفي حالة المخالفة تتم مساءلة وليها الشرعي (الأب أو الأخ أو الزوج). كما تمنع المرأة من أن يكون لديها هاتف بكاميرا.

كذلك لا يجوز السماح للمرأة التي لا ترتدي الحجاب، بركوب السيارة.
ويتعين على أئمة المساجد أن يوضحوا للسكان بشكل منفصل أحكام القرآن والسنة فيما يتعلق بالحجاب والجهاد، كما يتعين على الإمام أن يسجل من لا يؤدون الصلاة.. الخ.

وقبل ذلك بيوم (26 سبتمبر 2021) قالت طالبان في بيان لها، إنها حظرت تسريحات الشعر وحلاقة اللحى في ولاية هلمند بجنوب أفغانستان.

وما ذكرته هنا هو مجرد غيض من فيض. الواقع أن طالبان لم تضيع أي وقت منذ سيطرتها على البلاد، في إصدار التعميمات الواحد تلو الآخرـ والتي تؤكد تصميمها على إحكام السيطرة على حياة الأفغان وخاصة النساء وفرض فقهها ومنهجها المتشدد عليهم، وبالتالي محو أي مكسب حققوه خلال العقدين الماضيين.

والسؤال هو هل تنجح طالبان في ذلك؟ الواقع أن الورقة الوحيدة التي يملكها المجتمع الدولي لردع طالبان عن المضي في نهجها القرووسطي هذا هي ورقة الاعتراف السياسي والمساعدات. لكن الصراع الدائر حاليا في صفوف الحركة نفسها بين الجيل الشاب الذي يبدو أكثر تشددا وحماسة لفرض النموذج الإسلامي، والجيل الأقدم الذي يبدو أكثر مرونة واستعدادا للتفاوض، يجعل من الصعب ممارسة ضغوط فعالة وحقيقية على طالبان.

الحل الوحيد هو انتفاض الأفغان أنفسهم على حكم الحركة، لكن هذا قد يقود إلى حرب أهلية، وهو أمر لا يستبعد حدوثه على المدى القريب أو المتوسط. 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *