بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 24 سبتمبر 2021/
في الآونة الأخيرة كانت هناك أكثر من مناسبة طرح فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بصورة مباشرة، وجهة نظره بشأن إصلاح الخطاب الديني (والمقصود بالدين هنا هو الإسلام) وكانت أبرزها مداخلته التلفزيونية (23 أغسطس 2021) على قناة صدى البلد التي دعا فيها إلى “إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الديني” الذي قال إننا ورثناه من ضمن ما ورثنا.
ولست أشك في أن هذه الدعوة صادقة، وأن الرئيس المصري جاد فيما يقول، وإن كانت طرق تحقيق هذا الأمر يكتنفها الكثير من الضبابية وعدم الوضوح حتى الآن. ليس فحسب بسبب تجريف مؤسسات المجتمع المدني وحالة العداء غير المبررة التي تبديها أجهزة الأمن والسلطة المصرية تجاه دعاة التنوير والإصلاح، وإنما أيضا بسبب العلاقة الملتبسة والنفعية مع المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر والتي تعطي هذه المؤسسات القدرة على تخريب جهود الإصلاح أو فرملتها أو إفراغها من محتواها.
مع ذلك تظل الدعوة للإصلاح الديني تعكس حاجة موضوعية، لا تشعر بأهميتها الحكومات فقط وإنما جميع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين في الدول العربية.
فالطريق نحو التطوير والتحديث وجذب الاستثمار وتحويل البلدان نحو الاقتصاد المنتج يتطلب هذا النوع من الإصلاحات التي لا يمكن تأجيلها.
ومن الصعب إن لم يكن من الاستحالة العيش بصورة طبيعية في هذا العصر في ظل نمط الدولة الدينية القائم حاليا في مصر وفي العديد من البلدان العربية والذي من أبرز ضحاياه المرأة والأقليات والمختلفين من كل جنس ونوع.
هذا النمط يخلق مجموعة من القيم السلبية الطاردة للاستثمار والانفتاح على العالم والمشككة في العلم والمعادية للإنتاج وتطوير السياحة والخدمات.
لذلك فإن قضية الإصلاح الديني، ليست سجالا ترفيا بين مؤيدين ومعارضين أو بين علمانيين وإسلاميين، وإنما هي تقع في صلب التوجه نحو المستقبل.
لكن ماذا نقصد بالإصلاح؟
الإصلاح الديني يعني في جوهره إعادة قراءة وتفسير التراث والنصوص الدينية في ضوء القيم الإنسانية الحديثة، فيتم الأخذ بما يتناسب مع هذه القيم والتخلي عما يناقضها.
وهذه القيم تجد مضمونها في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وفي العديد من القوانين والتشريعات حول العالم.
والإصلاح بهذا المعنى لا بد أن يفضي إلى جعل الدين (وحرية التدين) خيارا فرديا أو شخصيا، ضمن العلاقة العمودية بين الإنسان وما يعتقده، وفي الوقت نفسه يحرر الفضاء العام من الأديان، أي العلاقة الأفقية – علاقة الإنسان بالمجتمع والدولة.
بمعنى آخر فإن المطلوب هو فك الدين من رقبة المجتمع والدولة، ووضعه في رقبة الفرد. وأي إصلاح ديني لا يحقق هذه النتيجة، لا يعد إصلاحا، وإنما مجرد نشاط إعلامي أو سياسي الهدف منه هو إشاعة أجواء من التفاؤل من دون فعل حقيقي.
وإذا كانت وسائل الإصلاح الديني تتم عبر ميادين شتى، دينية وسياسية وقانونية وثقافية وإعلامية.. الخ، فإن أولى المؤشرات على جدية هذا النوع من الإصلاح لا بد أن تبدأ من التعليم. أي لا بد من تغيير المناهج لضمان أن تكون محايدة فيما يتعلق بشؤون العقيدة والأديان. فمناهج التعليم لا بد أن تعكس قيم الإصلاح الديني نفسه وقيم العصر الذي نعيشه. فلا يمكن مثلا قبول أن يتم تمجيد العنف أو الكراهية أو التمييز الديني أو إضفاء القداسة على الخرافة والنصوص المنافية للعقل والعلم والمنطق السليم.
وإصلاح المناهج يجب أن يساهم في تنشئة أجيال جديدة متسامحة وتتميز بتفكير نقدي ونظرة عقلانية، يجعلها عصية أكثر على التجنيد وغسل الأدمغة الذي تمارسه الجماعات الدينية.
لكن تحقيق الإصلاح الديني ليس منوطا بجهاز الدولة وحده. بل لا بد لمؤسسات المجتمع المدني من الانخراط في هذا النشاط، وهذا الانخراط يتطلب قدرا من الحرية والشفافية سواء في وسائل الإعلام أو تعاطي الدولة مع هذه المؤسسات.
فلابد من إعادة النظر في/أو تعديل القوانين القمعية والمعيبة التي لا تزال تكبل حرية الرأي والفكر والاعتقاد مثل مواد ازدراء الأديان أو المواد المشابهة في قانون العقوبات وغيره من القوانين. فهذه التشريعات هي اليوم بمثابة السيف المسلط على رقاب الباحثين والمثقفين والمفكرين وأصحاب الكلمة عموما الذين يتعرضون للمحاكمة والسجن بسبب التعبير عن آرائهم، التي هي في الغالب تندرج ضمن إعادة النظر في الخطاب الديني وليس شيئا آخر.
من هنا نقول إن دعوة الرئيس المصري لإصلاح هذا الخطاب هي دعوة محمودة، ومطلوبة وبدونها من الصعب إحداث نهضة اقتصادية في مصر، لكن هذه الدعوة بحاجة إلى قنوات صحيحة تمر عبرها وإلى إرادة جادة لتنفيذها على أرض الواقع، وهي بحاجة أيضا إلى مناخ من الحريات ومن العمل السياسي والإعلامي والثقافي الذي يسمح بإجراء نقاشات معمقة وحقيقية بشأن الدين ودوره في المجتمع وعلاقة الدولة بالدين ودور المؤسسة الدينية.. الخ، الأمر الذي من شأنه أن يساعد الدولة في نهاية المطاف على خلق رأي عام يستوعب ويتقبل فكرة الإصلاح الديني ولا يبدو الأمر كما لو أنه قرار مفروض من أعلى وبواسطة السلطة السياسية.
لذلك من المهم متابعة ما يجري في مصر لرؤية ما إذا كانت دعوات الإصلاح الديني حقيقية أم مجرد تمنيات.