هذا هو سبب الانسحاب الأميركي من أفغانستان

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 20 أغسطس 2021/

لا يزال الكثيرون في المنطقة واقعون تحت تأثير الصدمة من قرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان وتركها لقمة سائغة لحركة طالبان، وهم يتساءلون كيف أمكن أن تتخلى الإدارة الأميركية بهذه البساطة عن هذا البلد؟ وهناك من ذهب إلى القول بأن قرار واشنطن متعمد بهدف خلق مشاكل مستقبلية للروس والصينيين والإيرانيين عبر السماح لحركة متطرفة ومرتبطة بجماعات إرهابية في المنطقة من الوصول إلى الحكم في كابول. بل هناك من جزم بوجود صفقة ما بين الإدارة الأميركية وطالبان، هي التي سمحت بسقوط المحافظات الأفغانية كلها في أقل من أسبوعين.

ثم هناك أيضا من أخذتهم النشوة والغبطة لعودة طالبان من جديد إلى السلطة، وراحوا يتصورون بأن الولايات المتحدة قد هزمت وأن هزيمة القوى الكبرى ممكنة بالنظر إلى ما جرى!  وهذا الأمر عبرت عنه حركة حماس الإرهابية ومفتي سلطنة عمان وغيرهما في المنطقة العربية!

ثمة مشاعر كثيرة ومختلطة إذن إزاء ما شهدته أفغانستان. وعادة ما لا يفهمه الإنسان أو لا يستطيع عقلنته فإنه يصنع حوله نظرية أو أسطورة ما، وفي الغالب يكون ذلك مزيجا من نظريات المؤامرة والخيال والرغبوية السياسية. 
وباعتقادي أن ما جرى لم يكن نتيجة أية مؤامرة أو اتفاق سري أو شيء من هذا القبيل، وإنما كان أحد السيناريوهات (ربما غير المرغوبة) التي كان يمكن توقعها وأفضى لها الحال الأفغاني، كما سوف أبين بعد قليل.

فالرغبة الأميركية في الانسحاب من أفغانستان لم تكن سرا أو أمرا مفاجئا لأحد. فقد بدأ الحديث عنها منذ الولاية الثانية لإدارة أوباما واستمر ذلك مع إدارة ترامب ثم بايدن. ونتيجة لذلك كان الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان يشهد انخفاضا مضطردا منذ ذلك الوقت. 

وكانت القناعة السائدة في واشنطن هي أن الهدف الأساسي من الذهاب إلى الحرب في أفغانستان (تدمير تنظيم القاعدة ومعاقبة طالبان) قد تحقق وأن البقاء هناك لم يعد يخدم أي غرض. 
لكن بسبب الالتزام الأميركي تجاه أفغانستان والذي ترتب عليها بنتيجة الحرب، فقد وجدت الإدارات المختلفة صعوبة في ترجمة تلك القناعة إلى واقع عملي. وهو ما دفعها للبقاء على أمل مواصلة مساعدة الأفغان على بناء بلدهم فترة أطول، وفي الوقت نفسه إقناع حركة طالبان بعدم جدوى الحل العسكري، والعمل على تحقيق تسوية سياسية تؤمن تقاسم السلطة بين الحكومة السابقة وقادة طالبان. وكان هذا السيناريو هو المفضل لدى الولايات المتحدة.  

لكن اتضح مع الوقت أن هذا الحل قد لا يرى النور، ليس فقط بسبب رفض طرفي الصراع له، أي طالبان وحكومة كابول، وإنما أيضا بسبب عجز الحكومة الأفغانية ورئيسها أشرف غني ومن كان قبله على إنشاء دولة ومؤسسات حقيقية!  
وقد دفع ذلك الولايات المتحدة إلى الاقتناع بأن الواقع الأفغاني لن يتغير وأن إطالة أمد الوجود العسكري لن يفيد في شيء. الأمر الذي جعلها تغير من شروط الانسحاب، وتكتفي بالحصول على ضمانات بأن طالبان لن تسمح لتنظيم القاعدة أو غيره من الجماعات الإرهابية بالعمل من أفغانستان.  

هذا هو باعتقادي ما حدث. مع ذلك تظل علامات استفهام كثيرة ماثلة لما جرى ولا ينبغي التقليل منها، ولا سيما السهولة التي تمكنت بها حركة طالبان من السيطرة على الولايات الأفغانية، ومعظمها من دون قتال، وانهيار الجيش الأفغاني الذي ذاب مثل فص من الملح. 

فهو لم يقاتل أو يحدّث نفسه بالقتال، ولم يستخدم ما تلقاه من تدريب على يد القوات الأميركية طوال السنوات العشرين الماضية، ولا يبدو أيضا أنه كان مولعا أو مهتما باستخدام الأسلحة الحديثة التي كانت بحوزته. 
كذلك ما كشفت عنه العديد من التقارير الإخبارية عن الفساد والمحسوبية التي نخرت عظام الحكومة الأفغانية، وتركت ندوبا عميقة ليس فحسب على المؤسسات الأفغانية عموما، ولكن أيضا وبصورة خاصة على الجيش وقوات الأمن، التي اتضح أنها كانت تعاني نقصا أنيميا في كل شيء، من الإرادة، إلى العقيدة القتالية، إلى السلاح والطعام، الأمر الذي يفسر ترك أفرادها في العديد من المناطق مواقعهم وإلقاء أسلحتهم والاستسلام أو الهرب للنجاة بأنفسهم.
أيضا من الأمور اللافتة قدرة حركة طالبان على استخدام تكتيكات مختلفة للسيطرة على المدن الكبرى وخاصة تلك التي لا تعتبر مناطق نفوذ تقليدية لها، عبر تقديم الرشاوى وعقد التحالفات مع الزعامات القبلية المختلفة أو اللجوء إلى أعمال الترغيب والترهيب.

وبطبيعة الحال تبقى الخلاصة الأهم وهي أن الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان تمكن في غضون شهرين فقط (بدأت الحرب في أكتوبر وانتهت عمليا في ديسمبر عام 2001) من تدمير نظام طالبان وإجبار قادته على الهرب وقصم ظهر تنظيم القاعدة، ثم القضاء على زعيمه بن لادن، مع ذلك لم يتمكن هذا الوجود خلال عشرين عاما من إنشاء جيش أو حكومة أفغانية قادرة على الاعتماد على نفسها! وبالطبع لم يدفع المجتمع الأفغاني إلى التغير أيضا.

هذا الأمر يقول الكثير ومما يقوله إن بناء الدول أو إنجاح عملية التحول في المجتمع مهمة تختلف كليا عن العمل العسكري. ومن الواضح أن المجتمع الأفغاني بمقوماته القبلية والدينية والسياسية هو الأبعد استجابة لهذا النوع من التحولات. 

الولايات المتحدة كما يبدو تعلمت الدرس من تجربتيها في أفغانستان والعراق.. لكن الثمن كان غاليا في الحالتين، أميركيا وعلى شعبي البلدين أيضا. 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *