عمران سلمان – الحرة – 25 سبتمبر 2020/
مر أكثر من أسبوع على توقيع البحرين والإمارات على اتفاقيات إقامة العلاقات الرسمية مع إسرائيل في البيت الأبيض، فيما تستعد دول عربية أخرى لفعل الشيء نفسه. لم تخرج تظاهرات أو مسيرات كبيرة مناهضة في العواصم العربية، أو يشتعل الشارع العربي غضبا كما توقع البعض، بل حتى هنا في الولايات المتحدة خرجت تظاهرة يتيمة، خجولة، لم يتعد عدد أفرادها الخمسين شخصا يوم التوقيع وسرعان ما تفرقت. وحده “الذباب الإلكتروني” راح ينشط كالمعتاد على مواقع التواصل الاجتماعي في مهاجمة الاتفاقيات والموقعين عليها.
شعارات وأوهام
إذا كان ثمة شيء يدلنا عليه رد الفعل العربي هذا فهو التالي: أن الناس ملوا وتعبوا من الدوران في هذه الحلقة التي باتت مفرغة، والطاقة المتبقية لديهم تذهب من أجل الاهتمام بشؤونهم المحلية وتدبير معيشتهم والاهتمام بأطفالهم وأسرهم. لا يعني ذلك أنه ليس لديهم رأي في القضية الفلسطينية أو أنهم لم يعودوا يهتمون بمصير أشقائهم الفلسطينيين، ولكنهم سئموا الشعارات المرتبطة بالقضية التي يستخدمها السياسيون وتوظفها الأنظمة والحركات الطامحة للنفوذ والسلطة وتكرس من أجلها كل مناحي الحياة، وتريد من الناس أن يكونوا حطب نار لها.
كم نظام عربي استخدم القضية الفلسطينية من أجل أن يبيع على الناس الشعارات والأوهام؟ وكم من نظام عربي استغلها كي يظهر عنترياته وبطولاته الزائفة؟
في الكثير من المرات كان المواطن العربي يصدق هذه العنتريات ويتجاوب معها، ليكتشف بعد فترة أن الأمر كله لم يكن أكثر من مصيدة نصبت له ووقع فيها.
مناضلون بالقطعة
لا يقتصر الأمر على الأنظمة فقط، ولكن هناك سياسيون ومثقفون وإعلاميون، هبوا لمهاجمة اتفاقيات السلام ولم يوفروا أي مصطلح أو نعت كي يرموه بالمشاركين فيها، وراح بعضهم كعادته يتفنن في السخرية من الخليجيين وإخراج أسوء ما فيه من مشاعر مكبوتة تجاههم.
وتستغرب، أين كان هؤلاء قبل الإعلان عن هذه الاتفاقيات؟ هل كانوا مثلا مشغولين بقتال إسرائيل وتنظيم الخلايا وإعداد المقاتلين أو إدخال السلاح والعتاد للفلسطينيين؟
هل كانوا مثلا يتبرعون بجزء من أموالهم للفلسطينيين أو للسلطة الفلسطينية التي لا تجد مالا تدفع منه رواتب موظفيها، أو ربما كانوا منهمكين في مشاريع الإعمار وخطط التنمية التي سوف تنتشل المدن والبلدات الفلسطينية من البطالة والفقر؟
لا شيء من ذلك البتة. فقط الإعلان عن اتفاقيات السلام حرك مياههم الراكدة وجعلهم يرفعون الصوت عاليا، كعادة العرب، كي لا يتهموا بالتخاذل والسكوت. ولم لا، فالإنترنت فضاء مجاني والكل يستطيع أن يدلي بدلوه، فإن لم يجد الوقت للكتابة المطولة فيستطيع أن يغرد!
الذباب الإلكتروني
أكثر من ذلك فإن المعارك الحالية انتقلت إلى الإنترنت، حيث يوهمك “الذباب الإلكتروني” بأنك أمام رأي عام يعارض أو يؤيد هذه القضية أو تلك، فيما الراجح هو أنك أمام مجموعة من الموظفين الحكوميين، أو ربما بضعة أشخاص يستخدم كل منهم عدة حسابات للدخول بأسماء مختلفة على المواقع الإلكترونية أو ينشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي ليكتبوا ويعيدوا كتابة ما سبق أن نشروه، فيعتقد القارئ بأن هذه الآراء تعبر عن رأي جماهيري أو عام أو ما شابه. فيما الحقيقة هي في واد آخر.
ويزداد استغرابك عندما تكتشف أن هذه الضجة كلها في مواقع التواصل الاجتماعي يقابلها صمت في الشارع، بل وانسيابية طبيعية للحياة العادية. فتبدأ في الشك فيما إذا كانت تلك الضجة هي مجرد فرقعة يراد منها الإيهام بوقوع أمر جلل، أم أنها محاولة مستميتة لتحريك الناس وجعلهم يتفاعلون، في وقت سئموا فيه هذه القضايا والشعارات.
كل عقد ترذلون
الحقيقة هي أن الوضع في العالم العربي اليوم هو أسوأ منه قبل عشر سنوات، ولو عدنا إلى عام 2010 لوجدناه أسوأ من العشرية التي سبقته، وهكذا. ما الذي سوف يجعل العشرية القادمة تخالف النمط السائد وتكون أفضل مما سبقها؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي علينا جميعا أن نركز عليه، خاصة مع استمرار المؤشرات المقلقة والتي من بينها: انخفاض أسعار النفط، وتحول المزيد من الدول العربية إلى دول “فاشلة”، وشح المياه، وزيادة في عدد السكان، وتراجع الاقتصاديات، واستشراء الفساد (عموديا وأفقيا)، واستمرار الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية والسياسية بين العرب… إلخ.
هل يحتاج العرب إلى صراع مع إسرائيل يضيفونه إلى كل هذه الكوارث التي تحيط بهم؟ وهل استمرار هذا الصراع أو نتيجته يمكنها أن تحل أي من مشاكلهم القائمة؟
طبعا للدين وثقافة الإسلام السياسي دور كبير في تأبيد هذه الصراعات وجعلها مستمرة إلى يوم تقوم فيه الساعة! لكن السؤال هو: ألم يحن الوقت (الواقع أنه قد حان منذ أمد بعيد) للخروج من هذه القوقعة؟
وإذا كان هناك من هو مستعد للانتظار حتى قيام الساعة فهو حر في ذلك، لينتظر، لكن بالتأكيد ليس الجميع مستعد أن يشاركه رغبته تلك. هل يفهم أخونا هذا الأمر؟