نهاية الصحوة الإسلامية

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 9 يوليو 2021/

يمكن القول إن حقبة ما يعرف بالصحوة الإسلامية في المنطقة العربية قد شارفت على نهايتها أو تكاد، وما نشهده اليوم هو حراك يمزج بين تصفية الجيوب النشطة للجماعات التي حملت على عاتقها عبئ هذه الصحوة وبين إعادة النظر في الأسس الدينية التي قامت عليها، وبين موجة إلحاد وتحرر ديني تزداد شدة مع الوقت وتتعزز عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

لن تحسم نتيجة هذا الحراك بسهولة وثمة من يتوقع مخاضا عسيرا أمام المجتمعات العربية للخروج من نفق التشدد الديني الماضوي، بالنظر إلى المقاومة الشرسة التي سوف يبديها ما تبقى من تيارات الصحوة والمدعومة من بعض الدول، لكن الاتجاه العام يبدو أنه يسير في عكس صالح هذه المقاومة.  

يؤرخ العقد الذي يبدأ من أوائل السبعينات وحتى أوائل الثمانينات من القرن الماضي، للبداية الفعلية للصحوة الإسلامية. وتعتبر الثورة الإسلامية في إيران هي المعلم الأبرز في هذا التاريخ، والتي تزامنت أيضا مع بداية الحرب الجهادية في أفغانستان، وكذلك مع عمليات مسلحة قامت بها جماعات إسلامية مثل حركة جهيمان في السعودية والإخوان المسلمين في سورية والجماعات الجهادية في مصر، بما في ذلك اغتيال الرئيس المصري أنور السادات.

نجاح الثورة الإيرانية ألهم التيارات الإسلامية بإمكانية إقامة الدولة الدينية، وهي نشرت على نطاق واسع نوعا من التدين لم يكن مألوفا في المنطقة، ولاحقا سوف تنشئ هي الأخرى ميليشياتها الخاصة بها. أما الجهاد الأفغاني، فقد ألهم تلك التيارات جدوى العمل المسلح ومواجهة القوى الإقليمية والدولية أيضا. وكان إنشاء تنظيم القاعدة (1988) ثم “الجبهة الإسلامية العالمية لمقاتلة اليهود والنصارى” (1998) ثم تنظيم داعش، إحدى الثمار المرّة لهذه الصحوة.      

لكن الأمر لم يتوقف عند حد التنظيمات المسلحة، ففي محاولة لموازنة التأثير الكبير للثورة الإيرانية، وفي إطار التنافس الإقليمي والإسلامي الشيعي/السني، قامت السعودية بأضخم عملية نشر للمذهب الوهابي السلفي في المنطقة والعالم كله، مستفيدة من الزيادة الكبيرة التي طرأت على أسعار النفط بعد حرب عام 1973.

وقد وفرت جميع هذه الظروف البيئة الخصبة ليس فقط لنمو التيارات الإسلامية الجهادية بكافة أشكالها، ولكنها وفرت أيضا أرضية صلبة لنشاط تيارات الصحوة الإسلامية التي انتشرت في طول وعرض العالم الإسلامي.
وكانت المنطقة العربية المكان الأبرز الذي تجلت فيه، مع الانحسار الواضح للتيارات القومية واليسارية، والتي سرعان ما أخلت مكانها للقادم الإسلامي الجديد، سواء في شقه الشيعي أو السني.  فظهرت الجمعيات والأحزاب والمنابر المختلفة من فضائيات ومواقع إلكترونية إسلامية وسيطرة متزايدة على المساجد وأجهزة التعليم والإعلام. وظهر الحجاب والبرقع وغيره من أشكال الزي التي اعتبرت رمزا وعلامة على الصحوة الإسلامية.

لكن حصاد هذه الصحوة على مدى أكثر من أربعة عقود بدا هزيلا جدا، إذا ما قيس بالزخم الكبير الذي رافق انطلاقة هذا التيار والوعود التي قدمها أقطابه. وهناك من يرى أن الكوارث التي جرتها على المنطقة تبدو هائلة إلى الدرجة التي يمكن اعتبارها نوعا من الجرائم الكبرى في حق شعوب المنطقة. فقد شوهت الوعي ودمرت الثقافة والتعليم وأشاعت أنماطا من التفكير الماضوي الخرافي المفارق للمنطق والمعادي لقيم العصر على نطاق واسع في العديد من المجتمعات، الأمر الذي يتطلب جهودا كبيرة اليوم لعكس هذه الموجة.   

وفي الإجمال يمكن الإشارة إلى عدد من العوامل التي لعبت مجتمعة دورا فيما نشهده اليوم من أفول لنجم الصحوة الإسلامية.  

أولا، فشل أنظمة الحكم الإسلامية، سواء في إيران، أو أفغانستان، أو السودان، أو مصر (تجربة حكم الإخوان) في تقديم نماذج حكم رشيدة وعصرية قادرة على النهوض بهذه المجتمعات عبر الانخراط الإيجابي والمفيد مع المجتمع الدولي. 
ثانيا، لجوء أجزاء كبيرة من تيارات الصحوة إلى العنف والإرهاب واتخاذه وسيلة أساسية في نشاطها، الأمر الذي جعلها عامل زعزعة مستمر للاستقرار ومهددا لأمن المجتمعات في المنطقة وخارجها.   
ثالثا، وحتى تيارات الصحوة الإسلامية التي لم تتورط مباشرة في الإرهاب أو تتمكن من الوصول إلى السلطة سلميا، فقد لعبت دورا سلبيا في المساندة والترويج النشط للتفكير الخرافي سواء المرتبط بالنص الديني مثل الإعجاز العلمي للقرآن أو العديد من الأحاديث النبوية التي أعيدت الحياة لها رغم ما تضج به من غرائب وعجائب وانتهاء للصلاحية (غير صالحة للاستخدام) مثل تلك التي تتعلق بالعبيد والإماء ورضاعة الكبير.. الخ. (سوف أستعرض عددا منها في مقال لاحق).  

وبشكل عام مارست الصحوة الإسلامية عملية أدلجة وتجهيل لملايين المسلمين، عبر لجوئها إلى أكثر التفسيرات الإسلامية تشددا. وكان من ضحايا ذلك الإنسان وحقوقه، وخاصة المرأة والطفل. وهي اتخذت موقفا فكريا وسياسيا متشددا وإقصائي تجاه المخالفين لها والمختلفين عنها، كما رسخت مفاهيم العداء والتوجس من غير المسلمين وعملت على تفريغ مفهوم المواطنة من جوهره.  

والحال أن تيارات الصحوة الإسلامية استهلكت العقود الماضية في توجيه حركة المجتمعات العربية والإسلامية نحو الماضي وإغراقها في الجدالات والصراعات الدينية وفي الحروب الداخلية من عمليات عنف وإرهاب وتكفير وقمع فكري واجتماعي، لكن يبدو اليوم أن هناك شعور عام ليس فقط بضرورة التغيير وإنما أيضا بوجوب وضع حد لهذه الصحوة والتي يقول البعض إنها في حقيقتها لم تكن أكثر من غفوة، يلزم أن تعقبها يقظة تتمثل في إفساح المجال للنقاش الحر بشأن القضايا الكبرى في هذه المجتمعات، وعلى رأس ذلك إعادة تعريف دور الدين في الحياة العامة وعلاقته  بالدولة والفرد. 

الطريق نحو ذلك قد يكون في بدايته لكن إرهاصاته قد بدأت ولن تتوقف، وما نراه من تحرك بعض الحكومات في اتجاه الإصلاح، والضربة التي وجهت أخيرا للتيار السلفي، واتساع نطاق المطالبين بالحرية الدينية والمجتمعية على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام، سوى نماذج على نوعية الحراك الذي سوف نشهد المزيد منه في القادم من الأيام.         

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *