بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 2 يوليو 2021/
لبنان بلد منكوب وقطاع غزة منطقة منكوبة وكذلك سورية وإيران واليمن وهناك بلدان ومناطق شبه منكوبة مثل العراق والأردن والضفة الغربية. ما الذي يجمع بين هذه البلدان؟ هو شيء واحد: عقلية المقاومة والممانعة، أما الأمور الأخرى فهي مجرد تفاصيل.
هناك علاقة طردية ما بين هذه وتلك. فكلما ارتفع منسوب المقاومة والممانعة وغيرها من الشعارات “الخرنقعية”، كلما أسرع الخراب والدمار إلى هذه البلدان والمجتمعات.
ولو سألت ماذا يقاوم هؤلاء في نهاية الأمر، لما وجدت شيئا حقيقيا، وإنما هو التخفي وراء شعارات ودعايات مضللة من أجل السلطة والمال والنفوذ ولا شيء غير ذلك. بينما المقاومة الحقيقية هي إصلاح الإنسان، ومقاومة الفساد والطغيان السياسي والاستبداد الديني وانهيار منظومة الأخلاق والتجهيل وانتهاك حقوق المرأة والطفل والأقليات والمخالفين في الرأي والمعتقد.
المقاومة الحقيقية هي التي تكرس ثقافة الحياة وليس ثقافة الموت واستغلال المعاناة. وهي التي تغرس ثقافة الصدق والاستقامة واحترام القانون بدلا من ثقافة الكذب والتدليس والمراوغة.
هذا النوع من المقاومة لا يجد له الإنسان أي أثر في تلك البلدان. بل هو من النوع المحظور الذي يقتل الناس إن هم حاولوا أن يطالبوا به أو يدعوا إليه.
لا يمكن أن تكون مقاومة حقيقية تلك التي تضحي بالإنسان الحالي من أجل إنسان متخيل في المستقبل، أو تهمل الواقع الحالي من أجل آخر لا يزال في رحم الغيب. هذه مجرد خدع نفسية وأيديولوجية يستخدمها النرجسيون والمسكونون بجنون العظمة من أجل تحويل الناس الحاليين إلى حطب نار ووقود من أجل مشاريعهم وعقائدهم الفاسدة.
بالضبط مثلما فعل هتلر، حينما جعل من الألمان حطبا لنار جنونه وأوهامه التي انتهت بمقتل ملايين منهم ومن غيرهم، ودمار ألمانيا. وكان أمام الألمان بعد الحرب العالمية الثانية خياران: إما العيش في نفس الثقافة التي أنتجت هتلر ورفعها هو إلى مصاف هوية الأمة، أي ثقافة المظلومية والضحية وأن الأوروبيين اقتطعوا أجزاء من أراضي ألمانيا وتآمروا ضدها، وإما القطيعة مع كل ذلك، وبدء صفحة جديدة، خالية من الثأر والانتقام والكراهية والرغبة في إعادة أمجاد الماضي.
من حسن حظ الألمان أن الولايات المتحدة كانت إلى جانبهم وهي التي ساعدتهم على الخروج من النفق المظلم وبناء دولة عصرية بنظام ديمقراطي ودستور متقدم وعقلية متقبلة للآخر.
ولست أشك بأن الولايات المتحدة راغبة في مساعدة الدول العربية والإسلامية المنكوبة على الخروج من أزماتها، لكن المشكلة هي أن هذه الدول لا تزال مصرة على العيش في فقاعة المقاومة والممانعة. والأرجح أنها ستظل في هذه الوضعية إلى ما شاء الله.
بالطبع فإن النموذج الألماني له وضعيته وظروفه وسياقاته، لكن المغزى يظل نفسه بالنسبة لأية منطقة في العالم وهو القدرة على الاختيار: إما التمسك بالأفكار والتصورات والاعتقادات التي لا تعمل وثبت عقمها وضررها، أو خلق أفكار وتصورات واعتقادات وطرق حياة جديدة.
ولنأخذ قطاع غزة على سبيل المثال. يقال بأن غزة محاصرة وهذا صحيح، فإسرائيل وكذلك مصر تعملان على تنظيم علاقة هذا القطاع بالعالم الخارجي.
ولكن ما هو سبب هذا الحصار؟ إسرائيل انسحبت من قطاع غزة عام 2005 وسلمت إدارته للسلطة الفلسطينية، لكن هذا القطاع تحول في عام 2007 إلى إمارة إسلامية تحت سيطرة حركة حماس، وبات مأوى كبيرا لمختلف الجماعات الإرهابية وأصبح غالبية سكانه مثل الرهائن في أيدي هؤلاء.
لو رفعت إسرائيل حصارها عن القطاع ولو تخلت عن جميع القيود التي تفرضها عليه، لاجتاحت جحافل الإرهاب مدنها وشوارعها، ولشاهدنا عودة العمليات الانتحارية والمفخخات والهجمات المسلحة التي تطرب لها قناة الجزيرة.
في المقابل لو أعطي قطاع غزة لشركة دولية كي تديره، بدلا من حماس، وترك لها حرية التصرف الكامل، لتحول القطاع في غضون سنوات قليلة إلى سنغافورة أخرى تنافس المناطق الإسرائيلية المجاورة في تقدمها وازدهارها ولانتقل سكانه الطيبون من فاقة العوز والحرمان والبطالة إلى رحاب الحياة الحرة الكريمة.
لكنه بفضل حركة حماس وغيرها من الجماعات أصبح مكانا غير صالح للحياة وسوف يظل كذلك وربما أسوأ.
والحال أن الجماعات الإرهابية لا تصنع دولا أو تطور مجتمعات، هي مجرد أدوات للدمار والخراب والعبث بمصائر البشر.. وهي تفعل ذلك بعد أن تخدرهم بشعارات المقاومة والممانعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.