بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 28 مايو 2021/
ما هو الحد الفاصل بين انتقاد إسرائيل وبين معاداة السامية؟ وكيف يمكن لأي إعلامي أو سياسي أو حتى شخص عادي أن يتناول القضية الفلسطينية وينتقد ما تقوم به إسرائيل من ممارسات، من دون أن يتحول هذا النقد إلى دعامة لأولئك الذين يكرهون اليهود أيديولوجيا أو يتبنون آراء عنصرية تجاههم والتي في الغالب تقود إلى تعريضهم للأذى؟
هذا السؤال يهيمن اليوم على العديد من النقاشات الإعلامية والسياسية داخل الولايات المتحدة، بعد الأحداث التي شهدها قطاع غزة مؤخرا، والتي أعقبتها مسيرات مناهضة لإسرائيل في العديد من الولايات الأميركية، ورافقها في الوقت نفسه تزايد مضطرد في مشاعر الكراهية لليهود وتنفيذ اعتداءات ضدهم.
في عام 2003 وضع السياسي الإسرائيلي ناتان شارانسكي، الذي كان يوما من أبرز المعتقلين السياسيين المعارضين فيما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، ثلاثة معايير للتفريق بين انتقاد إسرائيل وبين العداء للسامية. وقد تبنت وزارة الخارجية الأميركية في عام 2010 هذه المعايير وهي: (1) نزع الشرعية عن إسرائيل، (2) شيطنة إسرائيل و(3) إخضاع إسرائيل لمعايير مزدوجة.
شارانسكي وجد أن توفر أي من هذه المعايير كافيا لوصم النشاط بالمعاداة للسامية. بالطبع واجهت هذه المعايير بعض التحديات، خاصة عندما يكون المنتقدون ناشطون يهود مثلا، أو صعوبة إثبات المعايير المزدوجة في بعض الأحيان. لكن في الإجمال تظل معايير شارانسكي صحيحة، وما يجعلها كذلك هو النتائج العملية على الأرض.
فالتصريحات المعادية لإسرائيل التي أدلى بها بعض أعضاء الجناح التقدمي واليساري في الحزب الديمقراطي وكذلك بعض الشعارات التي رفعت في المظاهرات (بعضها وليس كلها) والتي استهدفت نزع الشرعية عن إسرائيل وكذلك الإشادة بهتلر والنازية، قد أعقبها مباشرة موجة من الهجمات المعادية للسامية التي استهدفت الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وحول العالم. الأمر الذي دفع الرئيس جو بايدن للتحرك حيث كتب على حسابه الرسمي عبر تويتر: “الهجمات الأخيرة على المجتمع اليهودي خسيسة، ويجب أن تتوقف”.
وأضاف “إنني أدين هذا السلوك البغيض داخل البلاد وخارجها – الأمر متروك لنا جميعا لعدم إعطاء الكراهية ملاذا آمنا”. كما رددت نائبة الرئيس كامالا هاريس والعديد من السياسيين الأميركيين أقوال بايدن أيضا.
وبحسب رابطة مكافحة التشهير (ADL) الأميركية فقد تم تسجيل زيادة ملحوظة في حوادث معاداة السامية على الإنترنت وكذلك على الأرض في جميع أنحاء العالم. وفي بيان للرابطة قالت فيه إنها راجعت معاداة السامية على فيسبوك وتويتر وتيك توك وإنستغرام، مع منشورات تتضمن مدحا صريحا لهتلر، وترويج التعليقات حول “الهيمنة اليهودية المزعومة وشيطنة اليهود” والدعوة إلى تدمير الدولة اليهودية، بما في ذلك المنشورات التي تقول: “الغازات تسابق الحرب الآن”.
أما على الأرض فمن بين هذه الهجمات التي جرى توثيقها خلال أسبوع تقريبا، قيام ستة رجال بالاعتداء على فتية يهود في بروكلين بنيويورك يوم السبت (22 مايو). وبحسب موقع “فين نيوز” قال أحد المعتدين للفتية، “فلسطين حرة”.
في ليلة الجمعة، قال لوكا لويس (20 عاما)، وهو لاعب كرة قدم محترف يلعب في نادي نيويورك رد بولز، إنه تعرض للتهديد من قبل رجال كانوا يحملون سكاكين وسألوه إذا كان يهوديا، وقالوا له إنهم سيقتلونه إذا كان كذلك، بحسب رواية لويس.
وقد أثار ذلك غضب لويس وسأله رجل عما كان سيحدث لو تبين أنه يهودي، كما كتب، ورد عليه الرجل بالقول: “كنت سأبرحك ضربا وأقتلك”.يوم الخميس، قام مهاجمون مناصرون للفلسطينيين بإلقاء مشروبات وزجاجات على رواد مطعم سوشي في لوس أنجلوس. وفي حي الماس في مدينة نيويورك، الذي يتواجد فيه الكثير من اليهود، ألقى محتجون مناهضون لإسرائيل مفرقعات نارية من سيارة خلال مشاجرة عنيفة في الشارع.
وفي هالانديل بيتش بولاية فلوريدا، وجه رجل إهانات لاسامية لحاخام محلي ثم أفرغ كيسا يحتوي على فضلات بشرية خارج كنيس الحاخام يوم الجمعة، حسبما ذكرت قناة WSVN. وفي 14 مايو، أبلغ رجل في هالانديل بيتش عن تعرضه للرشق بالحجارة أثناء عودته من كنيس يهودي.
في مدينة طوسون بولاية أريزونا، قام مجهولون بإلقاء أجسام كبيرة عبر باب زجاجي لكنيس “طائفة حافيريم”، حسبما ذكرت صحيفة AZcentral.
هذه الحوادث وغيرها كثير هي نتيجة للجو المشحون الذي نجم عن الخلط بين الغضب من ممارسات إسرائيل وتوجيه هذا الغضب نحو اليهود.
بالطبع في الشرق الأوسط لا يوجد حد فاصل بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، فروح الانتقام والتسويغ الديني أو القومي للأفعال تطغى في معظم الأحيان، فالموت للعرب أو الموت لليهود يرددها الناس بصورة تلقائية كلما وقعت مواجهة عسكرية أو نجم عنها ضحايا من المدنيين.
لكن في أميركا، أو الغرب عموما، هناك دائما ما أسميها “كوابح” لأي انفلات شعوري قد يحدث في مثل هذه الحالات، وهي كوابح سياسية وثقافية وأخلاقية وإعلامية، تمنع من تحول أي حدث ذي صبغة عنصرية أو إثنية أو دينية، إلى حالة انتقام جماعي.
لكن يبدو أن هذه الكوابح قد بدأت تلين وتضعف، الأمر الذي يشير إلى تحول لا يبشر بخير.