إدارة بايدن والانقسام الديمقراطي بشأن القضية الفلسطينية

عمران سلمان – الحرة – 21 مايو 2021/

تظهر استطلاعات الرأي وكذلك بعض التقارير أن ثمة تباين آخذ في التزايد داخل أجنحة الحزب الديمقراطي الأميركي بشأن الموقف مما يجري حاليا في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل وكذلك بشأن الموضوع الفلسطيني بصورة عامة. 

وفي حين أصدر العشرات من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين، غالبيتهم من الديمقراطيين، بيانات تطالب إدارة بايدن بالضغط على إسرائيل لإنهاء عملياتها العسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة، ذهب أعضاء الجناح اليساري أو التقدمي في الحزب أبعد من ذلك حين تحدثوا عن ضرورة تقييد المساعدات الأميركية لإسرائيل والضغط عليها لوقف الاستيطان والمعاملة غير العادلة تجاه الفلسطينيين.

وكان الأكثر حدة من بين هؤلاء كريس فان هولن، وإليزابيث وارن، وبيرني ساندرز، وألكساندريا أوكاسيو كورتز، وإريك سوالويل، وإلهان عمر، ورشيدة طليب وغيرهم.

بطبيعة الحال هذه المواقف من إسرائيل أو القضية الفلسطينية ليست جديدة في أميركا، فهناك من يتبنى مثل هذه الآراء هنا او هناك، لكن الجديد هو تزايد عدد المتحدثين عنها للإعلام، لا سيما مع اتساع نفوذ الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي وخاصة في الكونغرس.

ولا شك أن إدارة بايدن تجد صعوبة في التوفيق بين هذه المطالب والموقف الأميركي التقليدي الداعم لإسرائيل ولحقها في الدفاع عن نفسها. وتزداد الصعوبة مع وضع هذه الإدارة لقضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في صلب سياستها الخارجية، الأمر الذي لا بد أن يلامس العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين.

الرئيس بايدن تجنب حتى الآن الخروج على هذا التقليد، والتزم بدعم إسرائيل سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا، لكن تصريحات بعض مسؤولي إدارته لم تخل من انتقادات مبطنة للموقف الإسرائيلي.  

والسؤال هو: هل من الممكن أن تتحول انتقادات الجناح التقدمي والليبراليين عموما لإسرائيل يوما ما إلى مزاج عام في الولايات المتحدة أو تدفع إدارة بايدن لانتهاج مقاربة مختلفة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

يبدو من المستبعد حدوث ذلك في المستقبل القريب، رغم أننا يمكن أن نشهد زخما متزايدا في هذا الاتجاه خاصة مع استمرار العمليات العسكرية في غزة وما يصاحب ذلك من وقوع قتلى وجرحى في أوساط المدنيين. لكن مع انتهاء هذه العمليات سوف يخفت النقاش حول هذه المسألة من جديد.

أما أسباب عدم تحول ذلك إلى مزاج عام فهي متعددة. بعض هذه الأسباب متجذر في الثقافة والسياسة الأميركيتين، لكن بعضها الآخر مرتبط أيضا بطبيعة هذا الصراع، وتعقيداته السياسية، والقانونية، والدينية.. إلخ.

وليس خافيا أن وجود حركة مثل حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية لا يساعد على تحول إيجابي في المزاج الأميركي باتجاه المسألة الفلسطينية.

فهذه الجماعات التي تشكل اليوم قرابة نصف المشهد الفلسطيني، لا تختلف في جوهرها عن اليمين المتطرف في إسرائيل. فهي تسعى إلى إبادة اليهود، وهي تقمع دون هوادة الفلسطينيين ممن يخالفونها الرأي والتوجه، وهي تصطف وتدين بالولاء إلى إيران التي تدعو جهارا إلى إزالة إسرائيل من الوجود. وفي الأزمة الحالية هي من بادرت بإطلاق الصواريخ بشكل عشوائي على المدن والبلدات الإسرائيلية، وليس فقط على المنشآت العسكرية، تحت حجة ما يجري في القدس وحي الشيخ جرّاح. وهي حجة من الواضح أنها ضخمت واستخدمت بتعمد لتفجير صراع مسلح واسع بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأهداف بينها الحصول على الدعم المالي والسياسي وإعادة تعويم حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين.

ومع أن القضية الفلسطينية هي ليست حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرها، لكن لا يمكن تخيل وضع يكون فيه الفصل ممكنا بين القضية وبين هذه الجماعات في المستقبل المنظور. على العكس من ذلك فإن حركة حماس تمثل اليوم قيادة رئيسية للفلسطينيين وهي أكثر قدرة على منافسة حركة فتح (الموصوفة بالفساد وسوء الإدارة) في أية انتخابات قد تجري في الأراضي الفلسطينية.  

وبالتالي سيكون من الصعب على أي سياسي أميركي أن يطالب الإدارة الحالية أو أية إدارة أخرى بأن تتخذ مقاربة مختلفة تجاه هذه الحكومة الإسرائيلية أو تلك، في الوقت الذي يوجد فيه طرف فلسطيني رئيسي يتبنى أيديولوجية أسوء منها بكثير.

والحال أن تغير الرأي العام الأميركي تجاه الفلسطينيين ليس أمرا مستحيلا، فثمة حراك بين الأجيال وتغير في الاصطفافات – على سبيل المثال فإن أكثر من نصف اليهود الأميركيين، حسبما يظهر أحدث استطلاع لمركز بيو للأبحاث، لديهم موقفا سلبيا من حكومة نتنياهو بسبب جنوحها نحو أقصى اليمين – لكن هذا التغير كي يحدث هو بحاجة أيضا إلى تغير يحدث على الضفة الفلسطينية. ولا يكفي لذلك التمترس خلف صور الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء الذين يسقطون في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. هذه الصور مؤثرة دون شك، لكن من المؤسف أن الحرص الذي يبذل في ترويجها وتوظيفها إعلاميا وسياسيا أكبر بكثير من ذاك الذي يبذل في منع وقوع المأساة في المقام الأول.   

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *