اليأس الأميركي من إصلاح أفغانستان

عمران سلمان – الحرة – 23 أبريل 2021/

أخيرا قررت الولايات المتحدة وضع حد لأطول حرب في تاريخها وسحب جميع قواتها من أفغانستان ابتداء من شهر مايو وحتى شهر سبتمبر 2021، في خطوة لاقت ترحيبا شعبيا وسياسيا لافتا، وإن برزت بعض الأصوات المحذرة من العواقب. ويبقى مصير الحريات والمؤسسات المدنية الأفغانية هو مصدر القلق الأول لدى الكثيرين.

والواقع أن الهدف من هذه الحرب كان في البداية هو الرد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وضمان ألا تكون أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة الإرهابي أو تشكل قاعدة انطلاق لهجمات مماثلة في المستقبل. هذا الهدف قد تحقق، وكان يمكن للولايات المتحدة أن تكتفي بذلك وتنسحب منذ زمن بعيد، لكن إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش قررت أن توسع من دائرة الأهداف بحيث تشمل إعادة بناء أفغانستان وإحلال النظام الديمقراطي.

هذا التوسع قاد الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى إلزام نفسها بسياسات واستراتيجيات طويلة الأمد.

وقد ارتفع الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان باضطراد حتى وصل بين عامي 2010 و2012 إلى نحو 100 ألف عسكري، ورافق ذلك تخصيص ميزانيات ضخمة للإنفاق على الجانب العسكري والأمني والمدني على السواء، لكن هذا المنحى بدأ بالنزول، ومع الوقت جرى تقليص كل ذلك تدريجيا حتى بات اليوم يقدر بحوالي 2500 جندي.

ولم يحدث هذا فقط بسبب التغير في مواقف الإدارات الأميركية من النزاع الأفغاني أو القناعة بعدم إمكانية حسمه عسكريا، وإنما أيضا بسبب تبخر التأييد الشعبي للحروب الأميركية الخارجية عموما، حيث أظهر أحدث استطلاع للرأي أن أكثر من ثلثي قدامي المحاربين وعائلاتهم (67 في المئة) يؤيدون سحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان ونسبة مماثلة (68 في المئة) تؤيد، إما بشدة أو بصورة ما، سحب جميع القوات من العراق.

بالطبع هناك من سوف يعتبر قرار إدارة بايدن بمثابة هزيمة للولايات المتحدة في أفغانستان، لأنها لم تتمكن من إنهاء وجود حركة طالبان ولم تتمكن من بناء نظام سياسي في كابل قادر على الوقوف على قدميه.

وهذا التقييم قد يبدو صحيحا وغير صحيح في الوقت نفسه. هو ليس صحيحا بالمقارنة مع الأهداف الأساسية للحرب. لأنه تم طرد تنظيم القاعدة وقتل زعيمها، ولم تشكل أفغانستان منذ أكثر من عشرين عاما أي تهديد أمني للولايات المتحدة أو حلفائها. كما أنه لم يكن من بين أهداف هذه الحرب القضاء على حركة طالبان. لذلك لم تدخل القوات الأميركية أو قوات التحالف في معارك مباشرة مع مسلحي الحركة واقتصر دورها على تقديم الدعم للقوات الحكومية.

لكنه صحيح من جهة أن الولايات المتحدة لم تنجح قط في تأسيس نظام ديمقراطي في أفغانستان، ولم تنجح أيضا في بناء جيش قوي وقوات أمن قادرة على هزيمة مسلحي طالبان وداعش وغيرهم. وتذهب أغلب التوقعات بأن الانسحاب الأميركي قد يعقبه حرب أهلية أو عودة لنظام طالبان، سواء عبر المفاوضات أو القوة المسلحة. والأرجح أن الأخير هو ما سيحدث لأن طالبان تسيطر حاليا بالفعل على أجزاء واسعة من البلاد ولا سيما خارج البلدات والمدن الكبرى. ولا يوجد ما يمنعها من الإطاحة بحكومة كابل.

وهنا يبرز الجانب الآخر المأساوي للانسحاب الأميركي والذي لا يود الكثيرون التفكير فيه، وهو ما الذي سيكون عليه مصير النساء والنخب الأفغانية ومؤسسات المجتمع المدني التي تشكلت خلال العقدين الماضيين؟ وكيف ستتمكن الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي من توفير الحماية لهم إذا استولت طالبان على السلطة؟

للأسف لا تستطيع الولايات المتحدة فعل الكثير لهم. وباستثناء التدخلات الدبلوماسية والسياسية والاستعانة بالدول الحليفة والصديقة، فإنها ستكون عاجزة عن ممارسة أي ضغط مباشر وحقيقي على مسلحي طالبان.

ما سيحدث هو أن عشرات وربما مئات الآلاف من القادرين من هؤلاء سوف يغادرون البلاد، وطلب اللجوء في الدول المجاورة أو الدول الغربية، فيما سيتهدد الخطر الأقليات الدينية والعرقية التي تعرضت ولا تزال لهجمات دامية تشنها حركة طالبان أو تنظيم داعش.
وما يزيد من الأمر سوءا أن باكستان الجارة الرئيسية لأفغانستان، والداعم الأكبر لطالبان، غادرت منذ فترة المعسكر الغربي والتحقت بالصين، وتزامن ذلك مع جنوح حكومتها للتشدد الديني ودعم الجماعات المتطرفة.

وليس أدل على ذلك من التصريح الغريب لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان (7 أبريل 2021) الذي ألقى فيه باللوم على ملابس النساء في ارتفاع عدد حالات الاغتصاب في البلاد، معتبرا أن الزيادة السريعة في هذه الجرائم تشير إلى ما وصفه “زيادة الابتذال في أي مجتمع”.

ونصح النساء بـ “التستر لمنع إغراء الرجال الذين يفتقرون إلى قوة الإرادة”، قائلا إن “المفهوم الكامل للبرقع هو تجنب الإغراء، فليس لدى الجميع قوة الإرادة”.

وإذا كان هذا هو حال المرأة في المجتمع الباكستاني، فكيف يمكن تصور أن يكون الوضع مع المرأة الأفغانية تحت حكم طالبان الجديد؟ كان الله في عون الأفغان. 

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *