شابة بحرينية تستخدم التصوير الفوتوغرافي للحديث عن الصحة العقلية

سمية بخش – بي بي سي – 6 مارس 2021/

رجفت يد البحرينية، إيناس سيستاني، وهي تقف أمام المرآة ممسكة بقلم الكحل لتحديد عينيها؛ إذ تذكرت الكلمات التي ظل يرددها أصدقاؤها وأحباؤها مرارا وتكرارا، فأخذت بالبكاء، وكتبت على وجنتيها ورقبتها: “أنتِ دائما مكتئبة”؛ “هل تصلين؟”؛ “إنها مجرد تخيلات تدور في رأسك”.

قبل عام، شُخّصت حالة إيناس بأنها اضطراب الشخصية الحدية.

إيناس مسؤولة عن أحد المشاريع التي تديرها منظمة دولية عاملة في البحرين، لكنها ما أن تنهي عملها حتى تنشغل بمتابعة شغفها كفنانة بصرية هدفها أن تنشر صورا على حسابها على إنستغرام لتوضّح مدى تأثير قضايا تتعلق بالصحة العقلية والإساءة العاطفية، على الإنسان.

تقول لبي بي سي: “قررت أن أري الناس إلى أية درجة يمكن أن تؤثر هذه الأمور على الإنسان. إنها تترك ندوبا تحملينها معك دائما”.

“لم أعرف إن كنت طبيعية أم لا”

بدأت رحلة الشابة ذات الـ34 عاما باستخدام التصوير الفوتوغرافي لكسر الصمت الدائر حول الأمراض العقلية منذ سنوات مراهقتها – فحينها بدأت تشعر لأول مرة بأعراض الاكتئاب.

تتذكر إيناس تلك المرة عندما اصطحبتها والدتها لمقابلة أخصائي نفسيّ، إذ كانت أول أسئلته لها هي الآتي: “هل تصلّين؟ هل تقرأين القرآن؟”.

وتعلّق قائلة: “اعتقدت وقتها أن الأمر لا علاقة له بالدين. فحتّى لو صليت، وحتى لو قرأت القرآن، ما علاقة ذلك؟”، ولم تعد إيناس لمراجعة المختص بعد تلك التجربة.

لكنها استمرت في المعاناة من عدة أعراض، بما فيها الاكتئاب، وتقلبات المزاج الحادة التي اشتدت عام 2019 أثناء دراستها للحصول على درجة الماجستير في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، فقررت أن تراجع طبيبا نفسيا وشُخصت وقتها إصابتها باضطراب الشخصية الحدية.

وضعت جمعية الطب النفسي الأمريكية معايير تشخيصية لاضطراب الشخصية الحدية منها الشعور المزمن بالفراغ، والتهور، وسلوكيات التدمير الذاتي والعلاقات غير المستقرة. إنها حالة معقدة لا يمكن تشخيصها إلا من قبل أخصائي طبي.

وكان اكتشاف إيناس أنها كانت تعاني من حالة نفسية معروفة مصدر ارتياح لها. “كنت أشعر بالضياع. لم أكن أعرف ما العيب فيّ. ولم أكن أعرف ما إذا كنت شخصا طبيعيا أم لا. لذا سهّلت عليّ معرفة ما كنت أعاني منه، على يد مختص، الأمر وتمكنت من تثقيف نفسي ومعرفة كيفية التعامل مع مشاعري بشكل أفضل”.

مشفى أمراض نفسية واحد في البحرين

بدأت إيناس الالتزام بجلسات العلاج النفسي والتأمل منذ عودتها إلى بلدها البحرين. ويقيم المعالج النفسي الذي تتعامل معه في بريطانيا، لذلك تكون الجلسات معه عبر تطبيق زوم، والمفاجئ في الأمر أن تكلفة تلك الجلسات أقل بكثير مما كانت ستدفعه لمعالج في البحرين.

يبلغ عدد سكان البحرين 1.5 مليون نسمة، وتتوفر فيها خدمات الصحة النفسية كجزء من النظام الصحي في البلد، ويوجد فيها مشفى عام واحد للأمراض النفسية، إلى جانب عدد من عيادات العلاج النفسي سواء كانت حكومية أو خاصة غير مجانية.

وتقول إيناس إن المشكلة الأكبر التي واجهتها لا تتعلق بتكلفة الرعاية الصحية النفسية ولا بوجود تلك الرعاية أو عدمه، بل أنها تشعر أن أكبر عائق يمنعها من طلب المساعدة النفسية المهنيّة هو عدم التفهم للمرض النفسي ووصم المريض النفسي في الدول العربية.

الحديث علنا

تتعامل إيناس بأريحية وهي منفتحة أثناء الحديث معها، لكنها أحيانا تفقد ثقتها بنفسها وتشعر بالتردد. تتوقف برهة، وتسألني عما إذا كانت قد استفاضت بالحديث، فتتذكر بأنها لا تزال تجد صعوبة في الحديث عن التحديات التي مرت بها طوال السنوات الماضية.

لكنها تشعر أنه من المهم جدا أن تتحدث علانية عن هذه المواضيع لكي تساعد على معالجة المفاهيم الخاطئة السائدة. ولهذا السبب، وبعد فترة قصيرة على عودتها من الولايات المتحدة، وافقت على الحديث عن مواضيع تتعلق بصحتها العقلية في بث مباشر عبر تطبيق إنستغرام يديره أحد أصدقائها.

وفي اليوم السابق للبث المباشر، ذعرت إيناس وكادت أن تغير رأيها؛ فتلك ستكون المرة الأولى التي تتحدث فيها علنا عن الرحلة التي خاضتها في مجال الصحة العقلية.

لكن كل شكوكها تلك تلاشت في اللحظة التي أنهت فيها تلك المحادثة عبر الإنترنت.

وغُمرت برسائل خاصة أرسلها أشخاص لا تعرفهم تواصلوا معها وشاركوها قصصهم الخاصة وطلبوا نصيحتها.

وتقول إيناس إن عائلتها كانت داعمة للغاية، لذلك شعرت بالتعاطف مع من تواصل معها؛ فكثير منهم قالوا لها إنهم لا يستطيعون الحديث مع عائلاتهم وأصدقائهم بخصوص ما كانوا يمرون به.

دور وسائل التواصل الاجتماعي

تقول إيناس إنها شهدت خلال السنوات الماضية تغيّرا إيجابيا بخصوص الحديث عن الأمراض العقلية، وتعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي قد لعبت دورا رئيسيا في ذلك. “في الماضي، كان الحديث (عن الأمراض العقلية) صعبا للغاية. فأثناء نشأتي لم يكن الناس يشيرون إلى شخص ما على أنه يعاني من مرض عقلي بل كانوا يقولون ‘إنه مجنون’. من المثير للإعجاب فعلا رؤية الجيل الجديد يشارك خبراته في هذا المجال. لقد بدأوا يبعدون هذا الموضوع عن دائرة المحرمات”.

وتضيف أن وسائل التواصل الاجتماعي مكنتها من التواصل مع الآخرين الذين يمرون بتجارب مماثلة لها بطريقة لم تكن ممكنة من قبل. “كل الأشخاص الذين تواصلوا معي فعلوا ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وشعروا براحة أكبر (ليتحدثوا عن هذه القضايا) من وراء الشاشة”.

وتقول إيناس إنها متفائلة بما يحمله المستقبل؛ فالروابط التي كونتها مع الآخرين من خلال مشاركة قصتها أعطتها الشجاعة لتستمر. “لقد كانت رحلة جيدة فعلا. جعلتني أرغب بالاستمرار في استخدام الفنون والتصوير الفوتوغرافي للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص. وإن ساهم ذلك في مساعدتهم.. فسيكون أمرا مذهلا”.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *