عمران سلمان – الحرة – 5 مارس 202/
خلال حملته الانتخابية وفي برنامجه للسياسة الخارجية، وجه الرئيس الأميركي، جو بايدن، الانتقاد لقرار سلفه، دونالد ترامب، بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض العقوبات من جديد عليها، واصفا إياه بأنه قرار “سيء”، ودلل على ذلك بالقول إنه فشل في منع إيران من مواصلة برنامجها النووي، وفشل في ردع طهران عن مواصلة نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وأفقد الولايات المتحدة ورقة ضغط كبيرة كانت تملكها للسيطرة على السلوك الإيراني، لذلك فقد تعهد بالعودة من جديد للمسار الدبلوماسي والتفاوضي لحل ملف إيران النووي.
اليوم وبعد أقل من شهرين على توليه السلطة، يجد الرئيس بايدن نفسه في وسط المعمعة الإيرانية التي ازدادت تعقيدا عما كانت عليه في عام 2015، وهو العام الذي تم فيه التوقيع على الاتفاق النووي. ومنذ الأسابيع الأولى لولايته حرص بايدن على إرسال عدة إشارات عبر مسؤولي الإدارة للتعبير عن الرغبة الأميركية في الجلوس والتفاوض مع الإيرانيين.
وهنا برز سؤال وجيه، وهو هل الرغبة في التفاوض لحل الخلاف تعني بالضرورة العودة إلى الاتفاق النووي الذي سوف ينتهي مفعوله في عام 2025؟
يبدو أن الإيرانيين فهموا الأمر على هذا النحو، فهم قد استثمروا الكثير من الوقت والجهد في إحكام الربط بين مسألتي رفع العقوبات في مقابل التقيد ببنود الاتفاق، ولا يريدون أن يروا استثمارهم يضيع في الجدل الدائر في أروقة الإدارة الأميركية وفي الحديث عن المستجدات.
لكن إدارة بايدن كان لديها فهم آخر، فالتصريحات الصادرة عن الخارجية والبيت الأبيض تشير إلى أن ما تتطلع إليه هذه الإدارة هو اتفاق جديد، لا يشمل فحسب الملف النووي ولكنه يمتد إلى ملف الصواريخ الإيرانية والنشاط الإيراني في المنطقة.
وهذا التطور لا يعكس فقط رغبة حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (إسرائيل ودول الخليج) في أن يكونوا جزءا من أي اتفاق تبرمه الإدارة مع إيران، وكان غيابهم في السابق مبعث مرارة وسخط على إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولكنه يعكس أيضا فهما أشمل للمسألة الإيرانية في واقع اليوم.
فما هو الغرض الأساسي من البرنامج النووي الإيراني؟ هل هو لإنتاج الطاقة الكهربائية كما تقول طهران؟ بالطبع لا.
هذا البرنامج هدفه امتلاك القدرة والتكنولوجيا على صناعة السلاح النووي، أي الوصول إلى النقطة التي تبقي فيها مسألة صنع السلاح النووي مجرد قرار سياسي يتخذه المرشد الأعلى في إيران، في أي وقت يشاء ذلك، فثمة فرق بين القدرة على صناعة السلاح وبين اتخاذ القرار بصناعته فعليا.
نحن لم نصل بعد إلى مرحلة القرار السياسي، وإن كان هناك إجماع بأن إيران باتت تمتلك فعليا القدرة العلمية على إنتاج السلاح، أو هي في طريقها لذلك، والولايات المتحدة تريد إبقاءها عند هذه النقطة، وعدم تجاوزها.
ولكن يظل السؤال الأكبر وهو: ما هي الحاجة الإيرانية لامتلاك القدرة على صناعة سلاح نووي؟
إنها ببساطة انتزاع الاعتراف من الولايات المتحدة بأنها قوة إقليمية لها مصالحها ونفوذها في الشرق الأوسط. إنها تلوح بالسلاح النووي لتحقيق ذلك عبر فرض الأمر الواقع، أو التخلي عن هذا السلاح في مقابل رفع العقوبات وعودتها إلى المجتمع الدولي، لكن الهدف الإيراني في الحالتين يبقى نفسه وهو الدور الإقليمي.
والولايات المتحدة لا تريد أن تعترف لإيران بذلك، ليس فقط لأن من شأن تمكين الإيرانيين أن يخلق معادلات جديدة تؤثر على الحلفاء في المنطقة، وفي مقدمتهم إسرائيل، ولكن أيضا بسبب الأيديولوجية التي يقوم عليها النظام الإيراني، والتي تجمع إلى القضاء على إسرائيل، تصدير النسخة الشيعية من الإسلام السياسي في صيغته الميليشياوية.
لو كان النظام في طهران مختلفا، لربما وجدت الولايات المتحدة مقاربة أخرى لحل المسألة الإيرانية، فنظام الشاه السابق الذي كان حليفا لواشنطن وصديقا مقربا لمعظم دول المنطقة، كان يتمتع باعتراف ضمني من هذه الدول بدوره الإقليمي في توفير الحماية والأمن والاستقرار في المنطقة.
لهذا السبب يصبح من المنطقي أن تصر إدارة بايدن على عدم اقتصار التفاوض مع طهران على العودة إلى الاتفاق النووي، وإنما الوصول إلى اتفاق أكبر، يعالج جذر المسألة وهو الدور الإقليمي لإيران.
هل تنجح هذه الإدارة في الوصول إلى هذا الهدف؟
لا توجد أية ضمانة لتحقيق ذلك. وسوف يمضي وقت طويل قبل أن نرى اختراقا من أي نوع (خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في إيران، التي تجري في يونيو المقبل، وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي العام القادم).
لكن المؤكد أن الإيرانيين يريدون رفع العقوبات المشددة التي فرضها ترامب عليهم، وهم تعبوا من وضعية الدولة المارقة التي تجد نفسها منذ قيام الثورة على هامش المجتمع الدولي، كمن يجلس عند الباب لكنه غير قادر على الدخول. ونافذة العقوبات المفتوحة هي التي تعتزم إدارة بايدن العبور منها في محاولتها لطرح الخيارات المتوفرة أمام إيران: إعادة التأهيل في مقابل التخلي عن الطموح النووي والكف عن زعزعة الاستقرار في المنطقة.
التجارب السابقة لا تبعث على التفاؤل. فمنذ الثورة الإيرانية تعاقب على الحكم في الولايات المتحدة ثمانية رؤساء، بضمنهم الرئيس الحالي، ولم ينجح أي منهم في تحقيق هذا الهدف. النجاح الوحيد كان هو أن الولايات المتحدة وإيران لم تدخلا في حرب فعلية، رغم وجود جميع الظروف المساعدة على ذلك.