بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 6 يناير 2023/
في 22 مارس 2019، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هزيمة تنظيم داعش والقضاء على ما كان يسمى بـ “دولة الخلافة الإسلامية” في العراق وسوريا.
وكان ذلك كما هو معروف نتيجة عمل عسكري واستخباراتي طويل وشاق، استمر سنوات وشاركت فيه القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية والجيش الأميركي وباقي دول التحالف.
لكن من الواضح أنه رغم تلك الهزيمة وطرد داعش من الأراضي التي كان يسيطر عليها وقتل الآلاف من عناصره ووضع الباقين في السجون والمخيمات، بما في ذلك نساء مسلحيه وأطفالهم، مع ذلك يبدو أن داعش قد بدأ يعود للنشاط في الآونة الأخيرة وبدأ في تنظيم صفوفه من جديد وبصورة أثارت القلق لدى عواصم المنطقة وكذلك العواصم الغربية.
ففي العام الماضي أخذ إيقاع الهجمات التي يشنها مسلحو التنظيم يتزايد، وفي شهر ديسمبر الماضي وحده، قام مسلحو داعش بشن عشرات الهجمات الدموية التي استهدفت مناطق في محافظتي ديالى وكركوك في الشمال الشرقي من العراق وفي سوريا شملت مناطق بادية حمص والسويداء وحماة والرقة ودير الزور وحلب.
وهي هجمات كما هو واضح تغطي مساحة شاسعة من الأراضي، الأمر الذي يعني أن من تبقى من عناصر داعش وخلاياه حافظت على وجودها في البلدين (وإن باختلاف) وأنها تتمتع بملاذات آمنة وتحصل على التمويل وقادرة على الحركة والنشاط بحرية نسبية.
صحيح أن الأجهزة الأمنية وأجهزة مكافحة الإرهاب، وخاصة الأميركية، باتت متقدمة على داعش بدليل القضاء على قيادته أولا بأول وبصورة ضيقت الفجوة ما بين الإعلان عن تعيين أمير جديد للتنظيم والوصول إليه وتصفيته.
لكن الصحيح أيضا أن الحضور المسلح المتزايد والجريء لداعش وقدرة عناصره على الإعداد والتنظيم وشن الهجمات يعني أننا إزاء مرحلة جديدة وربما مختلفة من نشاطه.
ويطرح مصير مخيم الهول الواقع في أقصى جنوب شرقي الحسكة السورية والذي يحوي أكثر من 53 ألف من أفراد داعش وعائلاتهم معضلة كبيرة في هذا الخصوص. وبحسب أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان يضم المخيم حوالي 27 ألف عراقي و18 ألف سوري وحوالي ثمانية آلاف من جنسيات أوروبية وآسيوية وأفريقية.
ومن ضمن العدد الإجمالي لقاطني المخيم هناك أكثر من 33 ألف طفل لم يبلغ سن الثامنة عشر. ومن بين هؤلاء من كانوا يسمون بـ “أشبال الخلافة”.
الواقع أن هؤلاء، أو جزءا كبيرا منهم، يمكن في أة لحظة أن يجدوا أنفسهم خارج المخيم وربما قد يشكلون الجسم الرئيسي لتنظيم داعش أو أي تنظيم إرهابي يخلفه.
لذلك يظل السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يجعل عودة داعش ممكنة رغم هزيمته وطرده من المناطق التي كان يسيطر عليها ورغم الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ورغم كذب نبوءاته وانفضاح أمره والدجل والشعوذة التي مارسها؟
للإجابة على هذا السؤال، من المهم أن نوضح في البداية أن أي تنظيم مثل داعش كي يتمكن من البقاء والنشاط، هو بحاجة إلى أمرين أساسيين ينبغي التركيز عليهما دائما. الأول هو التمويل والثاني هو الحاضنة الاجتماعية. والتمويل إما يكون مباشرا أو غير مباشر.
التمويل المباشر هو الذي يأتي إما من الخارج من الدول أو الجهات الداعمة للتنظيم وخاصة عبر الجمعيات والصناديق الخيرية التابعة لها (وهذا يشمل الصرافات وعمليات نقل الأموال أو تحويلها).
أو قد يأتي التمويل مباشرة من أفراد التنظيم أنفسهم إما على هيئة اشتراكات أو تبرعات أو ما شابه. ويمكن كذلك أن يأتي من النشاطات التي يقوم بها التنظيم مثل فرض الإتاوات والحصول على الفدى من أعمال الخطف أو مهاجمة المنشآت والاستيلاء على الأموال أو ما يسميها هو بـ “الغزوات”، ولكن ذلك يأتي في مرحلة لاحقة مع تمكن التنظيم من السيطرة على الأراضي أو المناطق.
أما التمويل غير المباشر فهو الذي تقوم به حكومات الدول المجاورة أو التي تقع فيها المناطق التي ينشط فيها مسلحو داعش ويتم عبر السماح للتنظيم باستخدام شبكات التجارة والمواصلات وبيع المواد التي يستولي عليها بما في ذلك موارد الطاقة مثل البترول والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة وما شابه.
أما الحاضنة الاجتماعية فهي تعني المساعدة التي يتلقاها عناصر التنظيم من المجتمعات المحلية، مثل سكان المناطق أو العشائر والعوائل التي تقوم بحمايتهم وهذه تشمل رفد التنظيم بالمسلحين والسماح لعناصره بالتواجد والاختباء في هذه المناطق وكذلك تقديم الدعم اللوجستي والمعنوي لهم.
والحال أن أي جهد جاد للقضاء على تنظيم داعش وهو في هذه المرحلة لا بد أن يتم أساسا عبر تجفيف مصادر التمويل والقضاء على الحاضنة الاجتماعية له. في حين أن العمل العسكري وحده لن يتمكن من إنجاز هذه المهمة.
أما لماذا عودة داعش تظل ممكنة؟ فالإجابة هي بسبب حالة شبه الانهيار للدولة في سوريا وإلى حد ما في العراق وإلى حد ما أيضا في عموم المنطقة، ولأن نسبة معتبرة من المجتمعات العربية والإسلامية، للأسف، لا تزال تؤمن باستعادة دولة الخلافة والاختلاف مع داعش هنا في التفاصيل وليس في الجوهر.
وبالتالي لا يعدم مسلحو داعش من يمدهم بالمال والسلاح ومن يوفر لهم الملاذ الآمن. ومن دون ذلك لا يمكن أن يتواجدوا أو يستمروا في نشاطهم.