بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 8 يوليو 2022/
لماذا كل هذا الهوس بلباس المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإلى الدرجة التي قد يصبح فيها مسألة حياة أو موت في بعض الأحيان؟ يمكن بالطبع طرح هذا السؤال بأشكال مختلفة وبحسب كل مجتمع، لكن الإجابة في الغالب لا تخرج عن اثنتين: إما الدين أو العادات والتقاليد.
ولو ذهبنا أبعد في السؤال كي نقول لماذا يهتم الدين مثلا كل هذا الاهتمام بلباس المرأة؟ ستأتي الإجابة في الغالب بأنه لحماية المرأة نفسها!
ولكن حمايتها ممن؟ والإجابة هي من الرجال الأجانب عليها. وإذا صدقنا ذلك ألا يعني هذا أننا نتهم هؤلاء أو نصف المجتمع بأنه عديم الأخلاق وغير منضبط ولا هم له ولا شغل سوى ملاحقة النساء اللواتي لا يلتزمن باللباس “الشرعي”!
ورغم أن المشكلة في هذه الحالة سوف تبدو أنها مشكلة الرجال وليس مشكلة المرأة، مع ذلك فإن هذا هو آخر ما يهتم به هؤلاء.
ويمكن بالطبع توسيع دائرة الأسئلة كي تشمل سؤالا من قبيل: ما هي الكارثة التي يمكن أن تحدث لمجرد أن تكشف امرأة شعرها أو جزءا من جسمها؟
هل سيغضب الإله في عرشه مثلا أو تهتز أركان الدين أو يتدمر المجتمع؟
لا شيء من ذلك سوف يحدث أو يفترض ألا يحدث شيء من ذلك. مع هذا فإن رجال الدين ووكلاءهم يصورون الأمر كما لو أنه زلزال مدمر سوف يضرب الجميع، وهناك من تأخذه الحماسة إلى درجة المبالغة بحيث يرجع جميع المصائب والمشاكل الاقتصادية والسياسة والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية إلى لباس المرأة وما تظهره أو تخفيه!
لذلك يظل السؤال قائما وهو لماذا كل هذا الإصرار على إلزام المرأة تحديدا بلباس معين والاستثمار في ذلك بطرق يستخدم فيها الترغيب والترهيب والعنف اللفظي والجسدي والتوعد بالعذاب والجحيم الأخروي؟
لا شك أن للدين دورا كبيرا وسلبيا في تأصيل المكانة الأدنى للمرأة، وتحفل النصوص الدينية التي تعود لما يعرف بالديانات الإبراهيمية أو “السماوية” عموما بكم هائل من الأقوال والفتاوى والأحاديث والمواقف التي تقيد حقوق النساء وترسخ دونيتهن في المجتمع وتعمل على إخضاعهن بكافة الطرق والوسائل.
على أن الدور الأكبر هنا يبرز في تشيئ المرأة، أي جعلها شيئا يمكن التحكم به وتحديد مصيره والتدخل في كل شأن من شؤون حياته. (أنظر مثلا العديد الكبير من المؤلفات الخاصة بأحكام النساء وفقه النساء).
ومن الطبيعي والحالة هذه أن يكون جسد المرأة ولباسها هو أحد العناوين البارزة لهذه السيطرة. وليس من باب الصدفة الإصرار في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية على توحيد زي النساء (يسري ذلك على الرجال أيضا في بعض الأحيان وإن خلت منه صفة الإجبار). والهدف من ذلك هو القضاء تماما على أي تمايز أو فردانية للمرأة والتعامل مع جميع النساء كما لو أنهن امرأة واحدة. وقد تكون فكرة الزي الموحد في المدارس هي إحدى نتاج هذه العقلية.
وعلى هذه الأسس طورت بعض المجتمعات مفاهيم الشرف والعار وربطها بالمرأة. فالحديث هنا يدور حصرا عن جسد المرأة الذي يفترض في الحالة الطبيعية أنه ملك لها وحدها، ولكن في حالتنا هذه فهو ملك للأسرة وللمجتمع! وبحيث تظل للدين أو رجل الدين تحديدا الكلمة الفصل في ذلك.
وقد يستغرب الإنسان من ظاهرة أن العديد من النساء في مجتمعاتنا لا يقبلن فقط بهذا الدور الذي رسم لهن، ولكنهن يدافعن عنه أيضا في بعض الأحيان!
وتفسير ذلك قد يبدو ظاهريا أنه يعود إلى القناعات الدينية، ولكن السبب الأعمق هو رغبة هؤلاء النساء في التماهي مع قيم المجتمع والابتعاد عن التصادم معه أملا في تحقيق بعض المكاسب أو درءا للمتاعب التي قد يجلبها التمرد على النظام الذكوري القائم على الدين والمنظومة السياسية.
واختصار القول هو إن كل هذا الهوس بلباس النساء، سواء كان ذلك غطاء الرأس أو الجسد، ومهما اتخذ له من تبريرات دينية أو اجتماعية، فإن له هدفا واحدا لا يتغير وهو إحكام السيطرة على المرأة وإبقاؤها ضمن الحدود التي يستطيع الرجل من خلالها التحكم فيها. والمؤسف أن الإنسان لم يكتف فقط بالمسائل الاجتماعية والدينية لتبرير ذلك وإنما أشرك وورط حتى الإله نفسه في هذا العمل غير الأخلاقي.