المسلمون والغرب.. غرام وكراهية!

بقلم/ عمران سلمان – قناة الحرة – 5 نوفمبر 2021/

في الأدبيات الإسلامية والعروبية عموما وحيثما تعلق الأمر بالغرب تشيع عبارات مثل “الغرب الكافر” و”الغرب الاستعماري” و”الغرب الماجن” كما توجه انتقادات شديدة إلى المنظومة الأخلاقية وكذلك السلوك العام لدى المجتمعات الساكنة في بلاد الغرب، والمقصود بها هنا هي الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

وهناك أيضا من أدمن على تصوير الغرب بأنه البعبع الذي يتآمر على العرب والإسلام والمسلمين بهدف نهب ثرواتهم (أية ثروات هذه لا أفهم؟). 

لكن هذه الأدبيات والقائمين عليها يفشلون عادة في الإجابة على بعض الأسئلة البسيطة من قبيل: إذا كان الغرب هو على هذا النحو الذي يصورونه فلماذا يفضل المسلمون الهاربون من بلدانهم (أيا كانت الأسباب) اللجوء إلى الدول الغربية بالذات؟ لماذا يخاطرون بأنفسهم في البر أو البحر أو الجو من أجل الوصول إلى بر الأمان في هذه الدول؟ 

لماذا لا يذهبون إلى الدول الإسلامية نفسها أو إلى الدول غير الغربية مثل الصين أو الهند أو روسيا؟

وحتى أولئك الذين يجبرهم حظهم العاثر على البقاء فترة من الزمن في هذه الدول، فإنهم يتحينون الفرصة، أي فرصة، لمواصلة الهرب إلى الدول الغربية.
إذن، لا بد أن ثمة شيء مهم هو الذي يجذب هؤلاء إلى الدول الغربية، فما هو هذا الشيء؟

هذا السؤال عادة يتحاشى الإسلاميون وأصحاب نظريات المؤامرة الإجابة عليه، ويقدمون تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان. 

أما السؤال الآخر الذي لا يقل أهمية فهو: هل هناك علاقة مباشرة بين علمانية الدولة الغربية ونظامها الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان وبين تقدمها واعتبارها وجهة محبذة للجوء وخاصة من قبل المسلمين؟

من الواضح أن الإجابة هنا هي نعم.  فعلمانية هذه الدول هي التي تجعلها تتسامح مع المعتقدات التي يحملها اللاجئون المسلمون، وإنسانيتها وأخلاقها الرفيعة هي التي تجعلها توفر لهم المساعدة والخدمات المعيشية مثل المسكن والطعام وما شابه. ولأنها دول ديمقراطية فهي أيضا تسمح لهم بتنظيم أنفسهم والتعبير بحرية عن آرائهم وأفكارهم.

والسؤال هو لماذا يرفض الكثير من سكان الشرق الأوسط تطبيق هذه القيم في بلدانهم، الأمر الذي من شأنه أن يجنبهم ويجنب غيرهم مشقة الهجرة واللجوء؟  

أما السؤال الآخر فهو: هل هؤلاء جميعهم يدركون حقا ما يحدث هنا؟ 
لأن بعض هؤلاء يتوهم أن وصوله إلى الدول الغربية لاجئا هو بمثابة وصوله إلى دار الحرب أو الكفر، وإذا استطاع فإن عليه أن يغزو هذه الدولة ويذبح سكانها أو يأخذهم سبايا وإماء!

بعض هؤلاء يتوهم أنه سوف يسيطر على هذه الدول كي يحولها إلى الإسلام، أو يقيم فيها النظام الإسلامي!

هناك من اللاجئين، وليس جميعهم بطبيعة الحال، من لديه مثل هذه الأفكار وهذه الدوافع والارتباطات مع تنظيمات إرهابية مثل داعش أو تنظيمات الإسلام السياسي، والمسألة تعتمد على مدى قدرة الأجهزة الأمنية والأجهزة المختصة في هذه الدول على تخليص هؤلاء من هذه اللوثة وهذا الجنون العقائدي وإعادتهم إلى سويتهم الطبيعية.

لكن السؤال الأكبر هنا يظل: لماذا تخاطر الدول الغربية باستقبال اللاجئين وتحميل نفسها ما لا طاقة لها به؟

الإجابة المتاحة هي أن هذه الدول تؤمن بحقوق الإنسان وتؤمن بقيمة الإنسان، وهي القيمة نفسها التي تهدرها الدول والمجتمعات الإسلامية على نحو يثير الأسى، بل لا قيمة له في الكثير من الأحيان.

من المؤلم حقا في الفترة الأخيرة متابعة قصص تزويج الفتيات الصغار في العراق وفي أفغانستان. وفي هذه الدولة الأخيرة بالذات يمكن للإنسان أن يبكي على الآدمية المهدرة وهو يرى كيف أن بعض العائلات الفقيرة تبيع فتياتها الصغيرات كي تتمكن من توفير الغذاء لباقي أفراد العائلة.

حين تحدث هذه المظاهر وغيرها في العالم الإسلامي مما يروع الإنسان والحيوان والجماد، يصبح انتقاد الغرب والقيم الغربية أمرا فجا وثقيلا وخائبا ولا يخدم سوى المتنفذين والمستبدين في الدول الإسلامية.

فالأولى هو إصلاح أحوال دولنا بدلا من انتقاد الآخرين. والإصلاح هنا ليس المقصود به الوصول إلى المستويات المتقدمة في مختلف المجالات فذلك بحاجة إلى وقت وجهود كبيرة، ولكن المقصود هو العمل على حل النزاعات والتناحر الطائفي والسياسي وتوفير الأمن والاستقرار والحياة الكريمة للإنسان في هذه الدول كي يتمكن من ممارسة حياته بصورة تحفظ له آدميته وإنسانيته.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *